شر الأمور ما يضحك !

دكتور اسماعيل مكارم مقيم في روسيا

 إذا عشت أودرست في أي بلد غربي أو أي بلد شرقي متطور ستجد أن من يقوم بالكتابة في الإعلام عن الأمور الدولية هم عبارة عن نخبة ممتازة ومتخصصة يتقنون لغة أو لغات الأقاليم الدولية التي تتم كتاباتهم عنها أو تطالها دراساتهم، بينما في بلداننا العربية نجد  أمراً لا يمت إلى هذه القاعدة بأي صلة، فقد كثر عدد الكتاب ممن يكتبون عن روسيا والدول المستقلة من جمهوريات الإتحاد السوفييتي سابقا، وصرت تراهم على شاشات محطات البث، وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية!! وإذا تقدمت نحو واحد منهم وسألته هل زرت روسيا يوما؟ سيقول لك لا، هل تتقن اللغة الروسية سيجيبك (طبعا لا)، من هنا سوف تستنتج مدى جدية ما يقوم بالكتابة عنه، أويقوم بدراسته. قدر لي بعد مغادرتي دمشق عام 1988 وإختياري لمهنة تدريس اللغة العربية للطلاب الناطقين بالروسية، وشاء هذا القدر أن أسأل أحد المختصين الروس بعلوم العرب في جامعة كوبان الحكومية: (هل درستَ اللغة العربية؟ قال: لا. قلت كيف تكتب سعادتك عن العرب وأنت لم تقم يوما بالتعرف على ثقافتهم؟ قال: أنا أتقن الفرنسية. قلت هذا يعني أنك تستقبل العرب بعيون وآذان فرنسية. قال لي: نعم ، أنت محق). ولكن كلامنا هذا لا يقوم بالغاء القاعدة ، فهي تقر بإعطاء الحق للتكلم عن هذا الإقليم أو ذاك فقط لأصحاب الإختصاص.   تلك كانت مقدمة كي نتطرق إلى ما يدونه البعض من كتابنا عن الشعوب المجاورة لبلداننا العربية.   في عدد كبير من  مؤسساتنا الثقافية لا يسألونك عن إختصاصك وربما حتى لا يقومون بقراءة المادة التي ترسلها لهم. منذ عدة أيام قام أحد الكتاب العراقيين للمرة الثانية بنشر مقال اجتهد فيه بالهجوم على قائد الثورة الإسلامية في إيران –  السيد الإمام الخميني. في ذات المقال يقوم الكاتب المذكور بإنتقاد الشاعرين المعروفين في تاريخ أدبنا العربي المعاصر – نزار قباني ومظفر النواب. سأقتبس كلامه: ” قد يكون نزار قباني سبق الشعراء بقصيدته إلى الخميني، وما كنا نظن أنّ نزارا بهذه السذاجة، معتبرا الخميني سيدحر (الفرس) ، وأن ثورته لإخراج الفرس من إيران…” 1، إنتهى الإقتباس، وفيه غير ذلك من الكلام الذي لا يتناسب مع حرمة العلاقة بين شعبين  شقيقين متجاورين: شعبنا العربي والشعب  الشقيق في إيران. الكاتب العراقي يتعرض إلى الإنتماء القومي للسيد الإمام الخميني!!! وهذا ما يثير التساؤل والإستغراب ، ويعيد القارئ إلى القرون الوسطى، متى كنا نحن في فصائل حركات التحرر الوطني نهتم كثيرا بالإنتماء القومي لهذا الإنسان أو ذاك كمناضل  فذ ضد الإستعمار الغربي والغطرسة الصهيونية والغربية؟ هل احترامنا نحن وجماهير واسعة للمناضل  جيفارا بسبب إنتمائه القومي ؟ أو أنّ هذا الإحترام عائد لأفكاره الثورية، وتضحياته، وما قام به شخصيا من نضال؟. وفي نفس المقال المذكور نجد هجوما على قاسم سليماني وكأن شعب العراق قد نسي مساعدة القائد العسكري الإيراني رفيع المستوى للشعبين العراقي والسوري في حربيهما ضد قوى الإرهاب – فصائل داعش والنصرة وغيرهما. هذا الكاتب العراقي وعلى صفحات (صحيفة المثقف) قام قبل فترة في تاريخ 04/10/2022 بإثارة موجة من الغضب بسبب وفاة صبية كردية في إيران، وطرح حينها موضوع الحجاب. وكانت حسب رأينا نحن مساهمة منه في الهجوم على الحكم القائم في دولة شقيقة ومجاورة. قلنا حينها  موضوع الحجاب إما أن نطرحه في بلداننا بالدرجة الأولى، ثم نتعرض لطرحه في الدول المجاورة إما لا نطرحه أبدا،  كون التعرض إلى ظاهرة ما والنقاش فيها سيكون عاما أو لا يكون، وفي حالة الإنتقائية يُفهم الغرض المقصود من هكذا طرح.  إن توقيت طرح هكذا مادة إلى القراءة في زمن حين كل جماهيرنا في الأمتين العربية والإسلامية تتوق إلى الوقوف إلى جانب إخوتنا في فلسطين، وفي حين يلقى آلاف المدنيين حتفهم من  الأطفال والنساء والكبار في السن  في الضفة  الغربية  وفي غزة  بسبب القصف ،والهمجية ، والبربرية الصهيونية ، وبسبب ماكينة القتل الصهيونية، وفي حين يقوم رجال العراق، ورجال اليمن ، ورجال لبنان  بواجبهم القومي الفعال والصادق لمساعدة مقاتلي غزة البواسل في كفاحهم ضد شر الصهيونية.إن طرح موضوع العداء لأشقاء لنا في الجمهورية الإسلامية في إيران، هذه الدولة التي قدمت وتقدم كل ما في وسعها لنصرة قضية العرب المركزية – قضية الشعب الفلسطيني، إنما يدل إما على موقف مؤيد لأمريكا وهكذا أشخاص هم نموذج موجود اليوم بين صفوف العرب ، إما يدل على غياب البصر والبصيرة والحكمة ويلتقي مع المقدمة أعلاه حول إنتشار المدعين بالخبرة ،غير أنني أرجح الإحتمال الأول. قد يقول قائل – هذا الرجل ينتمي إلى الإخوة الشيعة وفي هذا تفسير كامل للأمر. أقول لا هذ القول مغلوط. لذا أرى أنه لابد من أن أذكركم        الإسبوعية الفرنسية،sharlie Hebdo بمجلة التي تصدر في بلد فولتير وغيره من عظماء الفكر ، ولكن يسمح لها أن تسخر، وتنظر نظرة دونية إلى الديانات السماوية تحت يافطة حرية الرأي، وحرية القول…. وهي ليست سوى ستارة مبقورة أكل عليها الدهر وشرب.  لقد صرحت وقتها وزيرة الثقافة في فرنسا كريستيان توبير قائلة: يوجد لدينا حق السخرية والإحتقار تجاه الأديان السماوية !!!! تكرر هذا الأمر في دول أوروبا الشمالية، حين قام رجل مغترب من أصول عراقية بحرق المصحف الشريف. قامت حينها كل الجهات الروحية والجهات الرسمية في بلداننا باستنكار تلك الأفعال المشينة التي لا تتناسب مع تعاليم كل الأديان السّماوية، وفيها إهانة لكل المسلمين ،لا بل لكل المؤمنين  والناس المحترمين في العالم. إذا قلنا أن تصرف المجلة الفرنسية سيئة السمعة، المعروفة بإنتمائها للصهيونية العالمية، وسلوك ذلك العراقي المغترب هو تصرف أرعن لذا علينا لدرء هكذا سلوك أن نحترم أئمة الإسلام ، ولا نسلك السلوك الغلط كي نسمح للآخرين بالتعدي على أمور تهم وجداننا، وعقائدنا ،ومقدساتنا ، وقضايانا الروحية، ومرجعياتنا الروحية.من لا يحترم أئمة الإسلام لا يستطيع الدفاع عن الأمة، بل يرشح نفسه لخدمة أعداء الوطن وأعداء الأمة. *** مراجع وهوامش: 1.  راجع (صحيفة المثقف) نزار قباني ومظفر النواب للخميني الثناء المر. للكاتب رشيد الخيون. تاريخ 17/12/2023 2.راجع (صحيفة المثقف) ثورة الحجاب في إيران قد تخبو ولكن ستقدح. للكاتب رشيد الخيون. تاريخ  4/10/2022   ملاحظة- من الأمور التي تستدعي الإهتمام أن هذا الكاتب قلد جائزة التسامح في العراق الشقيق!! عن أي تسامح يجري الحديث هنا؟ لا أدري!!.