دور الرقابة على النشر وأهميتها في إنتاج ثقافة متوازنة

الرقابة باعتبارها مسؤولية كبيرة، يحتاج أداؤها إلى شفافية ومهنية عالية، بناء على أسس ومعايير واضحة كي لا يساء فهمها على أنها تكبيل للعلم والثقافة والإبداع، مع التأكيد على أن إلغاءها يفتح باباً على الفوضى المهنية، وفقدان مصداقية العمل، وفق ما أشار إليه عدد من الأدباء والقائمين على الرقابة الثقافية على النشر.

رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد الحوراني قال في تصريح لـ سانا: أنا مع الرقابة على المخطوطات، ولكن بشروط ومحددات، وإذا كان بعضهم يرى محددات الرقابة على بعض المخطوطات المقدسة ضرورة، فمن وجهة نظري قداسة اللغة هي الأهم، وربما يكون هناك بعض الثغرات عند قارئ أو غيره، ولكن بعد أن تم إغفال اسم المؤلف عن هذا النوع من المخطوطات أصبحنا أمام حالة صحية أكثر.

وأضاف الحوراني: إنه لا يوجد مانع من جمع صاحب المخطوط مع الرقيب عليه حين تكون هناك أسباب موجبة تستدعي ذلك، مبيناً أن رفض المخطوط يكون أحياناً غير منطقي، ويعود لأسباب شخصية، الأمر الذي يحتم منع الرقيب من القراءة مستقبلاً مع إحالة المخطوط لقارئ آخر.

رئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم الحافظ قال في تصريح مماثل: نحن كناشرين، نرى بأن الرقابة المسؤولة والوطنية والراقية عامل إيجابي في تطوير صناعة النشر، شريطة أن تكون رقابة مسؤولة هدفها رعاية الثقافة، وتطوير العلم والمعرفة، ودفع النمو الثقافي إلى الأمام، وأن تتعامل مع جميع المشارب الثقافية بحيادية.

وتابع الحافظ: عندما يكون للرقابة خطط ومعايير واضحة تسير عليها بمهنية، تكون بناءة تحافظ على أصالة المجتمع، وتمنع من تغلغل الأيادي الهدامة التي تهدف إلى تمزيق المجتمع، وإلغاء الدور الاجتماعي المنوط بالبناء، وترفع من سوية الثقافة الوطنية ولا سيما عند الشباب، لافتاً إلى أنه عندما لا تتعامل الرقابة بحيادية ومهنية، تنقلب إلى كابوس على الثقافة والكتابة والإبداع، مقترحاً تسميتها بالمتابعة التي تحمي القواعد الأخلاقية للمجتمع، وليس بالرقابة.

الرقابة على منشورات الأطفال تحديداً ضرورية ومهمة، بحسب الأديب رامز حاج حسين، وذلك بهدف ضبط اللغة السليمة، وترسيخ القيم النبيلة، والحد من الأفكار الخبيثة، والمعاني السلبية، وبدورها هذا تشرف على إنتاج حالة ثقافية متوازنة تليق بذائقتنا، مشيراً إلى أنه على الرقابة أن تتمتع بثقافة عالية، وتوسع مظلة بحثها، لتدارك كل سلبيات الثقافات الغريبة على أطفالنا وقصصهم ومجلاتهم وكتبهم المدرسية، وألا تكون مقيدة للإبداع، ولا مؤطرة للخيال ضمن قوالب كلاسيكية جاهزة.

ورأى الناقد رضوان فلاحة ضرورة تفعيل الانتقائية ضمن المؤسسات المعنية بهذا الشأن، لإغناء المفهوم الأخلاقي، والخبرات للفرد المبدع، والوقوف على سوية الرقيب الثقافية والمعرفية ومدى مرونتها، لاستيعاب ذهنية الكاتب الناقدة المبدعة، ومواكبتها للحركة الثقافية والأدبية لتطوير المجال الإبداعي، وتحمل المسؤولية التنويرية، والإحاطة الاستقصائية بكل المجالات.

ويرى مدير ثقافة حماة سامي طه أن الرقابة ضرورة للحفاظ على سوية الكتاب، في ظل سطوة وسائل التواصل الاجتماعي التي أبعدت الناس عن القراءة.

ولفت إلى تعامل بعض أعضاء لجان القراءة بمزاجية أحياناً، لذلك من الضروري اختيارها بدقة وكفاءة، لافتاً إلى خطورة وجود كتب مبتذلة، ولا علاقة لها بأي شكل أو جنس أدبي، بسبب العلاقات الشخصية بين أعضاء اللجان أو بعضهم، وبين صاحب الكتاب.

الباحثة في شؤون اللغة العربية راغدة شفيق محمود بينت أن الرقابة يجب أن تكون صارمة، ولا سيما في مجال المناهج التربوية، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على المؤسسات الأخرى، فالتساهل أحياناً ضرورة فيما يخص حرية الكاتب على صعيد المؤسسات الثقافية الرسمية، بشرط ألا يمس بالقيم الوطنية وأن يكون المستوى الفني عالياً لأن تراجعه يسبب تدني الحال الاجتماعي والثقافي، وصولاً إلى تدني المنابر.

وعلى كل قارئ في لجان الرقابة أن يدرك بأن المنشورات الهابطة تؤثر سلباً على ثقافته الوطنية، هذا ما أشار إليه الشاعر محمود حامد الذي اعتبر أن ما نراه من بعض المنشورات في الأسواق تنطبق عليها صفة مارق، لافتاً إلى ضرورة التشدد، وعدم استسهال عملية الرقابة.