القصة القصيرة والإعلام

بقلم : علي الراعي

كثيراً ما خطر لي سؤال؛ وطالما تردد بذهني، وأنا أشهد اضمحلال جنس أدبي شغل القرن العشرين بطول أيامه وعرضها، وأقصد بذلك القصة القصيرة، التي تبدو اليوم أنها وصلت إلى مرافئها الأخيرة.
والسؤال: لولا الصحافة الورقية؛ هل كان أن توفر مثل هذا الجنس الإبداعي؟؟ وأقصد القصة القصيرة.. مُبرر السؤال؛ إن فن القصة نشأ مع الصحافة المكتوبة منذ نشأته، بل منذ نشأة الصحافة، وقد تفنن الكتاب – الصحفيون في سرد نصوصهم القصصية على صفحات الجرائد، حتى إن القصة القصيرة التي كان منبرها – شبه الوحيد – الصحافة؛ نافست الأنواع الصحفية من تحقيقات وتقارير وأخبار، بل إن الملمح الأهم في النوع الصحفي أياً كان؛ هو الطابع القصصي، وذلك من: حكاية، وحدث، وشخصيات وأخبار.. تلك السمات التي جاءت إلى الأنواع الصحفية من القصة القصيرة.
غير أنه، وفي مسيرة الصحافة الاحترافية، كان أن خففت من سرد القصة القصيرة على صفحات الجرائد، ولم يأتِ ذلك من احترافية الأنواع الصحفية وحسب، بل ومن نظرة “ازدراء” انتابت هؤلاء الكتّاب على حين غرور، وهم الذين كانوا ينشرون قصصهم على صفحات الجرائد، وأمسوا ينظرون للصحافة كحالة نفعية فقط، وكمهنة أقل من الكتابة الإبداعية.
وهكذا أمسى التنافر بين الصحافة والقصة القصيرة؛ يزيد المسافة بين الجنسين، ولاسيما مع اعتماد كتّاب القصة على نشر نصوصهم القصصية في مجموعاتٍ قصصية، وقد ظنوا بذلك؛ أنّ في إمكانهم الاستغناء عن منبر الصحيفة الورقية، وهو الأمر الذي أدى لخسارة مزدوجة: خسرت الصحافة نوعاً أدبيّاً شكل على ما يربو أكثر من نصف قرن؛ حاملاً إبداعياً للصحيفة، كما خسرت القصة القصيرة منبراً أمّن لها، ولزمنٍ طويل انتشاراً أفقياً تفتقده منذ زمن بعيد حتى اضمحلت اليوم، سواء في عدد من يكتبها، أو بمن يخلص لها، أو يكتفي بها جنساً إبداعياً خالصاً، وحتى بعدد المجموعات القصصية التي أمست اليوم من الندرة، وأخيراً بمساحة القراء لها.
و.. ربما هذا ما تنبهت إليه القصة القصيرة جداً، فهي، وإن كانت قديمة في التراث الإبداعي العربي، غير أنّ انطلاقتها في تسعينيات القرن الماضي؛ كان بحفاوة إعلامية لافتة، حيث احتفى بها الإعلام التقليدي لأكثر من عقدين، قبل أن تُكيّف نفسها مع (السوشيال ميديا) الحديثة، ويستثمر كُتابها هذا المُنجز الإلكتروني – الإعلامي أجمل استثمار، لاسيما في هذا النص الإبداعي الذي يُقارب (المنشور الفيسبوكي) من خلال مساحته، ويُضاهي القصيدة الومضة من خلال تحليقه البلاغي والإبداعي…

صحيفة تشرين