وحش العنصرية في الولايات المتحدة وتركيا .. من “فلويد” إلى “باريش” ..

وحش العنصرية في الولايات المتحدة وتركيا .. من “فلويد” إلى “باريش” ..
وحش العنصرية في الولايات المتحدة وتركيا .. من “فلويد” إلى “باريش” ..

“أرجوك لم أعد قادرا على التنفس”، كانت تلك العبارة الأخيرة التي قالها الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، حينما كان الشرطي ديريك شوفن يضغط بقدمه على عنقه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، جريمة سرعان ما فجرت حالة من الغضب الشديد داخل أمريكا، قبل أن يتحول الغضب إلى احتجاجات واسعة في عدد من الولايات وسط أعمال عنف وحشد لقوات الأمن في الشارع.

هذه الجريمة البشعة سلطت من جديد الضوء على بعض الممارسات العنصرية المستمرة ضد المواطنين الأمريكيين من أصول أفريقية، على الرغم من مرور أكثر من مئة وخمسين عاما على قانون تحرير العبيد الذي وقعه الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لينكولن، ولعل هذه الحادثة وغيرها تأتي تعبيرا عن عنصرية موغلة في العقل السياسي الذي يقوم على التمييز بين هذه الفئة وتلك، رغم مواثيق الأمم المتحدة التي تؤكد ضرورة عدم التمييز على أساس عرقي أو إثني.    

  العنصرية الموجودة في العديد من دول العالم، تختلف أشكالها وفقا لعوامل سياسية وايديولوجية وثقافية.

العنصرية الموجودة في العديد من دول العالم، تختلف أشكالها وفقا لعوامل سياسية وايديولوجية وثقافية، ولعل أخطر هذه الأشكال تلك التي تكون جزءا من البنية السياسية للدولة، كما هو الحال في تركيا، فبعد أيام قليلة من مقتل فلويد، قتل ثلاثة شبان أتراك الشاب الكردي باريش تشاكلن طعنا بالسكاكين لمجرد أنه كان يستمع إلى أغنية كردية في حديقة عامة وسط العاصمة أنقرة، والغريب في هذه الحادثة هو التبرير الذي قدمه والي أنقرة عندما برر حادثة القتل بأن باريش كان يستمع إلى الأغنية بصوت عال في وقت الآذان، وهو تبرير دفع بالعديد إلى المقارنة بين منطقه ومنطق داعش في القتل في ربط الأمور بالدين، لكن في الحقيقة لم تكن حادثة قتل باريش إلا تعبيرا عن العنصرية الكامنة في العقل السياسي التركي ضد الكرد، وهي عنصرية كانت سائدة في العهد العثماني، وقد تجلت بشكل واضح في المجازر التي ارتكبت ضد المسيحيين من أرمن وأشوريين ويونانيين قبل أن تتحول في عهد الجمهورية ضد الكرد، وتمجيد القومية التركية على حساب باقي القوميات الأخرى داخل تركيا.

فالشعارات التي رفعت خلال العقود الماضية من نوع “أنا سعيد لأنني تركي” و”كل من داخل تركيا هو تركي” عززت من مشاعر التفوق لدى الأتراك فيما القوميات الأخرى من كرد وعرب وأرمن …عانت من الإقصاء والتهميش ومحو الهوية القومية، ولاسيما أن أي تعبير عن الحالة القومية غير التركية كانت تجابه بممارسات عنصرية في الشارع وعلى المستوى الرسمي إلى درجة أن الكردي يخشى من الحديث بلغته في الأماكن العامة، وهناك كثير من الأمثلة عن تعرض مواطنين أكراد للإهانة والضرب لمجرد الحديث بلغتهم، وعلى المستوى الرسمي عززت السلطات الرسمية هذه الممارسات من خلال إغلاق المدارس التي تعلم باللغة الكردية وإزالة اللافتات المكتوبة باللغة الكردية، التي علقتها البلديات التي فاز بها حزب الشعوب الديمقراطية في الانتخابات المحلية، ولعل هذه الممارسات لم تأت من الفراغ بل من الممارسة السياسية ضد الأخر، فالمنظمات السرية التي شكلتها الحكومات التركية مثل الذئاب الرمادية وأوجاكلاري … ارتكبت العديد من جرائم القتل على أساس الهوية المختلفة في تمجيد للعرق التركي.  

في الواقع، خطر العنصرية لا يقل عن خطر فيروس كورونا، فالعنصرية بما تحمل من أفكار التفوق، تحمل معها مشاعر الحقد والكره للمختلف سواء أكان عرقيا أم إثنيا، وهو ما يضع البشرية في امتحان مع نفسها، وكأن لسان حال العنصريين يقول إن كل التقدم البشري من علم وثقافة وقوانين وتمدن… لا قيمة له، إنها معركة الإنسان من أجل القيم السامية في مواجهة وحش العنصرية.

العين الإخبارية – خورشيد دلي