لواء اسكندرون عربي سوري القلب والنبض والروح والثقافة عربي سوري الأرومة عربي سوري البذار والجنى وجزء عريق لا يمكن فصله عن سورية العروبة ولواء اسكندرون سوري في كل حبة تراب وسوري في كل نبته وكائن حي ودونت سوريته تحت سماءه منذ بدء الخليقة وطبعت عروبته على جميع أوراقه وأزهاره وثماره وتؤكد اللقى والأوابد الأثرية والنقوش الكتابية اسهامات لواء اسكندرون السوري المميزة في إرساء أسس الحضارة الإنسانية العالمية والأديان السماوية الثلاث ومن أرضه أطلق للمرة الأولى في العالم على اتباع النبي عيسى عليه السلام اسم المسيحيين ومن مدن لواء اسكندرون انطلق المبشرون بالمسيحية نحو سائر أنحاء العالم.
المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف يؤكد على أهمية ومكانة الدور العالمي لمدينة أنطاكية المشيدة في الركن الجنوبي الغربي لسهل العمق عند النقطة التي يدخل فيها نهر العاصي في نصرة أتباع الديانة المسيحية ونشر تعاليم الانجيل السمحة في كل بقاع العالم. فإلى أنطاكية وفد المبشرون الأوائل ومنها انطلقت البعثات التبشيرية نحو سائر أنحاء العالم وفيها أطلق على الحواريين لأول مرة في العالم اسم مسيحيين وفيها أقيمت أول كنيسة أممية في العالم وفيها سمي القديس بطرس أسقفا واتخذها مقرا لكرسيه الرسولي وإليه يعود الفضل عالميا في إرساء قواعد المسيحية ونشر تعاليم الانجيل وفي أنطاكية سمي قسطنطين الأكبر أول امبراطور مسيحي في العالم وفيها أنشأ أشهر الكنائس في العالم المسيحي الكنيسة الكبرى “البيت الذهبي” وبفضل أنطاكية أصبحت المسيحية أهم دعائم الإمبراطورية الرومانية وفيها ظهر آباء الكنيسة وظهر قديسي الأعمدة للمرة الأولى في العالم. وكانت أنطاكية بتنوعها الاثني والقومي مثالا حيا للتعايش الديني السلمي والأخوي الذي تتميز به سورية في جميع مدنها عبر جميع العصور التاريخية وكانت أنطاكية خلال تطور المجتمع المسيحي حلقة وصل بين العالم الوثني القديم والعالم المسيحي الجديد ومسرحا لدعاة الغنطوسية وتعاليم بولص السميسطائي التي مهدت السبيل للأريوسية وكان لأنطاكية أيضا دورا مركزيا في نقل التراث الاغريقي العلمي والأدبي والفلسفي والفني إلى العالم وقد كفل نظام الحكم الروماني لانطاكية استمرار تقاليدها الاغريقية الهلنستية في المجالين الاجتماعي والثقافي.
وتقع مدينة أنطاكية البالغ مساحتها 36 كيلو متر مربع شمال غرب سورية في لواء اسكندرون على بعد 30 كم عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط ويحدها غربا نهر العاصي وشرقا جبل سلبيوس الذي يعد جزءا من جبل الأقرع وتمثل المركز الإداري للواء اسكندرون ويقسم نهر العاصي المدينة إلى قسمين قسم شرقي “أنطاكية القديمة” وقسم غربي “أنطاكية الحديثة”
ويؤكد الدكتور السيد أن مدينة أنطاكية من أهم وأغنى مدن اللواء في الإرث الحضاري والثقافي والتاريخي والأثري والديني والعمراني فضلا عن كونها واحدة من أهم مدن بلاد الشام وآسيا الصغرى كونها تمثل مفتاح بلاد الشام بحكم وقوعها على أول طريق الشام للقادمين من آسيا الصغرى وتحكمها في الطرق الواقعة في المناطق الشمالية للشام؛ وأشهر مدينة من بين 16 مدينة في العالم حملت نفس الاسم ومركزا هاما من مراكز الحضارة الاغريقية والرومانية وعاصمة سورية قرابة العشرة قرون قبيل الفتح الإسلامي وأهم المراكز التجارية والاقتصادية في المنطقة ومركز محوري للتبادل التجاري بين الشرق والغرب بحكم وقوعها على ملتقى أهم الطرق التجارية وقربها من البحر الأبيض المتوسط وموانئ السويدية واللاذقية وهذا ما جاء في جغرافية سترابون وفي خطب ليبانيوس وهذا ما أثبتته نتائج التنقيبات الأثرية في منطقة المينا وصابوني عند مصب نهر العاصي وفي تل عطشانة “مملكة ألالاخ” وغيرها من المواقع الأثرية المنتشرة في لواء اسكندرون حيث تم العثور بكميات كبيرة على فخار موكيني وقبرصي يؤرخ بعصر البرونز، فطبيعة التكوين الجغرافي لسهل العمق الخصب والغني بالمياه فرضت أن تمر من خلاله جميع حركة التجارة ويتم من خلاله الانتقال بين الجزء الجنوبي من الأناضول والجزء الساحلي أو الغربي من سورية وفلسطين والانتقال من الجزء الشمالي لبلاد ما بين النهرين والبحر المتوسط وبذلك تحكمت أنطاكية قديما بفضل موقعها بشبكة الطرق البرية الحربية والاقتصادية بالطرق القادمة من الشمال إلى الجنوب وبنهر العاصي وكانت تصل بين مصر والأناضول مع الأخذ بالحسبان أن نهر العاصي كان في العصور القديمة صالحا للملاحة من مصبه إلى أنطاكية وازدهرت به حركة النقل نهرا وساهمت في ازدهار الحياة التجارية للمدينة وقد تغير مجراه بفعل الزلازل وامتلاء قاعه ولم يعد اليوم صالحا للملاحة. وتشير المعطيات التاريخية واللقى الأثرية المكتشفة في أنطاكية خصوصا وفي عموم مناطق لواء اسكندرون السوري المحتل أن مدينة أنطاكية كبرى مدن اللواء قد عرفت الاستيطان البشري منذ عصر البرونز القديم وكانت جزءا من الإمبراطورية الآكادية القديمة ثم خضعت لحكم الإمبراطورية الحثية والآشورية والفارسية. وبعد وفاة الاسكندر المقدوني عام 323ق.م اقتسم كبار ضباطه الإمبراطورية التي أسسها وكانت سورية وبابل وفارس من نصيب سلوقس الأول نيكاتور واخذ بطليموس مصر وفلسطين، في حين استولى انتيغون على مقدونيا القديمة وآسيا الصغرى وبادر في عام 317 ق.م بإنشاء مدينة الاسكندرونة بين العاصي ومخرج بحيرة أنطاكية، ثم احتلها سلوقس نيكاتور وأقام مكانها مدينة أنطاكية تكريما لاسم أبيه أنطوخيوس وأصبحت أنطاكية في العصر الهلنستي قلب وعاصمة الإمبراطورية السلوقية التي امتد نفوذها من البحر المتوسط إلى الهند.
وبحسب خبير الآثار السوري تعتبر أنطاكية ثالث أهم مدن العالم القديم بأسره بعد مدينتي روما والقسطنطينية من حيث الثروة والعلم والتجارة والعمران فهي مدينة رئيسية منذ نشأتها الأولى على يد سلوقس نيكاتور في العام الثاني عشر من حكمه عام 300 ق.م الذي بنى فيها أيضا معبد زيوس بوتيايوس عماد الدغلي