أكد القائم بالأعمال بالنيابة لوفد سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور الحكم دندي أن القرار الأخير لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ضد سورية يؤسس لمرحلة خطيرة في عمل المنظمة ومستقبلها ويزيد من حدة الاستقطاب والتسييس ويمثّل المواقف الانعزالية للدول الغربية فقط دون غيرها، محملاً تلك الدول مسؤولية الآثار السلبية التي ستترتب على حاضر ومستقبل المنظمة جرّاء فرضها قرارات تزيد من الانقسام والاستقطاب فيها.
وقال دندي في كلمة خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي اليوم: “إن مضي عشر سنوات على انضمام سورية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، يشكّل فرصةً لنقيّم فيها ما تمّ تحقيقه بشكلٍ موضوعيّ وحقيقي، بعيداً عن التسييس، إلا أن البيانات العدائية التي أدلت بها بعض الدول الغربية تقدّم صورة مشوّهة عن الواقع وتحرّف الحقيقة، من خلال تجاهلها الأعمى لكل أشكال التعاون الجدّي الذي قدّمته سورية على مدار العشر سنوات الماضية مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وفرقها الفنّية، وحتّى قبل دخول الاتفاقية حيّز النفاذ بالنسبة لها، والذي توّج بالتدمير الناجح والذي تمّ التحقُّق منه لكامل مخزونها الكيميائي ومرافق إنتاجه”.
وأضاف دندي: “سورية ترفض بأشد العبارات المغالطات وتحريف الحقائق والادّعاءات الواردة في بيانات الدول الغربية اليوم وتُعيد التّأكيد على أنها أوفت بجميع التزاماتها بموجب الاتفاقية، ودمّرت كامل مخزونها الكيميائي، وأصبح البرنامج الكيميائي أمراً من الماضي ومسألة منتهية”.
وتابع دندي: “بعد ضغوط محمومة وغير مقبولة أخلاقياً وسياسياً قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بشكل خاص، صوّتت أقلية ضئيلة في مؤتمر الدول الأطراف لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لاعتماد إجراءات حاقدة ضد سورية التي التزمت بشكل صارم بما تنص عليه الاتفاقية، وهذا القرار يأتي في إطار محاولة لشرعنة الإجراءات القسرية أحادية الجانب اللاإنسانية التي تفرضها الدول الغربية على سورية، الأمر الذي سيؤدي إلى مفاقمة آلام الشعب السوري، وخاصةً في الجانب الإنساني”.
وشدد دندي على أن تلك الإجراءات التي تضمّنها القرار تتناقض مع ما نصت عليه المادة الـ11 من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، والتي تؤكّد تنفيذ أحكام الاتفاقية بما يتجنّب عرقلة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية للدول الأطراف والتعاون الدولي في مجال الأنشطة الكيميائية للأغراض غير المحظورة بموجب الاتفاقية.
وأوضح دندي أن القرار سيء الصيت يؤسس لمرحلة خطيرة في عمل المنظمة ومستقبلها، ويزيد من حدة الاستقطاب والتسييس، حيث إن اعتماده بالتصويت خلافاً للممارسة المتّبعة يكشف جسامة الضرر الذي سبّبته الدول الغربية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وقال دندي: “إن اعتماد هذا القرار يضعنا اليوم أمام سؤال: هل المنظمة في ظل التسييس الفاضح لعملها الفني أصلاً قادرة على تنفيذ ولاية المنصوص عليها في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية؟” وما هي الضمانات؟ المشكلة في المنظمة اليوم ليست سورية، بل هي مشكلة أشمل وأوسع، فقد تمّ تحويلها إلى منصّة لاستهداف دول أخرى لا تسير في ركب الدول الغربية”.
وأضاف دندي: “إن الجمهورية العربية السورية ترفض هذا القرار، وتعتبره خروجاً عن إطار اتفاقية الأسلحة الكيميائية الناظم لعمل المنظمة، ولا سيّما الإجراءات المخالفة لنصوص وأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتؤكّد أن القرار يمثّل المواقف الانعزالية للدول الغربية فقط دون غيرها ويظهر أن الهدف منه هو تحقيق ما عجزت الدول الغربية من الوصول إليه عبر الاعتداءات والحملات السياسية الفاشلة على سورية طوال السنوات الـ 12 الماضية، بما في ذلك دعمها المفضوح للإرهاب وفبركة حوادث استخدام أسلحة كيميائية”.
وتابع دندي: جاء هذا الموقف المنعزل في الوقت الذي كانت تستمر فيه اللجنة الوطنية السورية بتعاونها مع الأمانة الفنية للمنظمة، حيث قامت بما يلي:
أولاً- قدّمت اللجنة الوطنية السورية تقاريرها الشهرية رقم 118، و119، و120، و121 عن الأشهر الماضية بخصوص الأنشطة التي أجرتها في سورية.
ثانياً- يسّرت اللجنة الوطنية السورية عقد جولة المشاورات الخامسة والعشرين لفريق تقييم الإعلان خلال الفترة من الـ1 إلى الـ5 من تشرين الثاني الماضي، وذلك اتّساقاً مع ترحيبها بعقد هذه الجولة من المشاورات منذ اليوم الأول من طلب الأمانة الفنية لعقدها، وقدّمت خلالها كامل التسهيلات للفريق، وتعاونت معه لإنجاح مهمّته.
ثالثاً- وافقت اللجنة الوطنية السورية على تمديد الاتفاق الثلاثي – بين الجمهورية العربية السورية، والأمانة الفنية للمنظمة، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع – لمدة ستة أشهر إضافية، بما ييسُر مهام وأنشطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سورية.
رابعاً- قدّمت اللجنة الوطنية السورية كل الوثائق التي تغطّي استفسارات الأمانة الفنية للمنظمة حول المادة ذات طبيعة الاستخدام المزدوج التي تمت مشاهدتها من قبل فريق التفتيش في مركز الدراسات والبحوث العلمية، خلال جولة التفتيش التاسعة، كما تستمر بالمناقشات مع موظفي المركز والأمانة الفنية لتقديم التوضيحات المطلوبة.
خامساً- رحّبت الجمهورية العربية السورية بإجراء فريق الأمانة الفنية لجولة التفتيش العاشرة إلى مركز الدراسات والبحوث العلمية خلال الفترة من الـ1 إلى الـ6 من كانون الأول الجاري، وهي الأولى في عام 2023، وقد قدمت اللجنة الوطنية كافة التسهيلات اللازمة والمعلومات المطلوبة لإنجاح مهمة ذلك الفريق، ونتطلع إلى إصدار التقرير النهائي لهذا الفريق، الذي نريد أن يعكس التعاون والتسهيلات التي قدمتها سورية لهذا الفريق.
وقال دندي: “إن سورية تُحمّل الدول الغربية مسؤولية الآثار السلبية التي ستترتب على حاضر ومستقبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، جرّاء فرضها على المنظمة لقرارات تزيد من الانقسام والاستقطاب فيها، وتطالب الأمانة الفنية أن تلتزم بأحكام الاتفاقية، وأن تُجري مراجعة شاملة لنهجها وتقاريرها، وألا تسمح لنفسها بأن تكون مطيّة لخدمة أهداف مجموعة من الدول”، مضيفاً: “إن سورية تجدد التأكيد على أنها نفذّت كل التزاماتها تجاه المنظمة، وعلى إدانتها القاطعة لاستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل أي كان، وفي أي زمان ومكان وتحت أية ظروف”.
وأعرب دندي عن الشكر الجزيل لوفد دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة على التعاون الوثيق والجهود المهمة التي بذلها خلال فترة عضويته في مجلس الأمن، كما أعرب عن ثقته بأن الجزائر الشقيقة العضو العربي القادم في المجلس ستقوم بدورها المشرف.
وتوجه دندي بالشكر لوفود البرازيل والغابون وغانا على جهودهم خلال فترة عضويتهم في المجلس ومحافظتهم على مواقف تنسجم مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فيما أعرب عن أسفه لموقف وفد ألبانيا المنحاز للغرب الجماعي، ولارتضائه مسايرة الأجندة السياسية العدائية لبعض الدول الغربية ضد سورية.