حارسة فلسطين الدائمة

(هي الشجاعة حارسة بقائنا وحياتنا وحارسة نارنا الدائمة)… هكذا يصف الشعب الفلسطيني الدور البطولي للمرأة الفلسطينية التي يشاهد العالم أجمع صمودها بمواجهة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ 46 يوماً على قطاع غزة المحاصر، حيث ودعت الأب والأخ والزوج والابن شهداء، قائلة رغم الألم: “فداء فلسطين.. هنيئاً لهم الشهادة”، ووقفت على ركام المنازل المدمرة لتؤكد أن الفلسطينيين باقون على أرضهم وأنهم منتصرون مهما طال أمد الاحتلال.

هي الصحفية التي توثق فظائع الاحتلال.. الطبيبة والممرضة التي تركت عائلتها وكثيراً ما فوجئت بأفراد منها شهداء أو جرحى في المستشفيات التي آثرت البقاء فيها للقيام بواجبها الإنساني وإنقاذ الجرحى والمرضى.. المعلمة والرسامة والمتطوعة التي أخذت على عاتقها مهمة بلسمة الجراح وإدخال الفرح إلى قلوب الأطفال في مراكز الإيواء للتخفيف من الأهوال التي يعيشونها بسبب قصف الاحتلال وفقدان العائلة والبيت ومرارة النزوح.

إلى جانب الرجل تتصدر المرأة الفلسطينية المشهد في مقاومة الاحتلال الذي لا يفرق في اعتداءاته بين رجل وامرأة، حيث استشهدت 3550 امرأة خلال عدوان الاحتلال المتواصل على القطاع من بين 13300 شهيد، إضافة إلى إصابة أكثر من 31 ألفاً وتهجير ما يزيد على 1.5 مليون من منازلهم معظمهم من الأطفال والنساء، كما تواجه نحو 50 ألف امرأة حامل في القطاع تحديات كبيرة بسبب صعوبة الحصول على الرعاية الصحية جراء خروج 25 مستشفى من أصل 35 من الخدمة، بسبب قصف الاحتلال ونفاد الوقود والمستلزمات الطبية.

الخارجية الفلسطينية طالبت بمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه وانتهاكاته الممنهجة والمستمرة لحقوق النساء والفتيات الفلسطينيات، ووقف إرهاب مستوطنيه وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري، وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال وعودة اللاجئين واللاجئات إلى ديارهم التي شردوا منها تنفيذاً للقرار الأممي 194.

وشددت الخارجية على ضرورة تضافر الجهود الدولية والأممية لتنفيذ أجندة المرأة والسلم والأمن في فلسطين المحتلة، وما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 1325 لعام 2000 من احترام القانون الدولي المنطبق على حقوق النساء والفتيات وحمايتهن ومسؤولية جميع الدول عن وضع حد للإفلات من العقاب ومقاضاة المسؤولين عن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ومراعاة الاحتياجات الخاصة للمرأة والفتاة.

مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بمسألة العنف ضد النساء والفتيات ريم السالم أعربت عن صدمتها حيال جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق النساء والأطفال والشبان والرجال في فلسطين المحتلة وخاصة في قطاع غزة، مستنكرة وصف الاحتلال للفلسطينيين بأنهم (حيوانات بشرية) ينبغي إيقاعهم في (نكبة ثانية) وتهجيرهم من أرضهم وتصفية قضيتهم.

وأشارت السالم إلى أن الاعتداء على المرأة الفلسطينية وحقوقها اتخذ أبعاداً جديدة ومرعبة، وأصبح الآلاف منهن ضحايا لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وهذا لوحظ بكثافة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، لافتة إلى أنه رغم معاناة جميع النساء والفتيات من العدوان على القطاع إلا أنه كان مدمرا بشكل خاص للأمهات اللاتي فقدن العديد من أطفالهن أو شهدن تشوههم وإصابتهم بجروح خطيرة أو لا يعرفن مكان وجودهم.

وأوضحت المقررة الأممية أن نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة مهددات بالولادة في ظروف مأساوية على نحو متزايد بما في ذلك 5500 امرأة من المقرر أن يلدن خلال شهر، ما يؤدي إلى إجبار أكثر من 180 امرأة يومياً على الولادة في ظروف غير إنسانية وقاسية وخطيرة، مشيرة إلى أنه مع التناقص السريع في الوقود والأدوية والمياه وإمدادات المستشفيات أو نفادها تواجه النساء الحوامل احتمال الولادة من دون تخدير أو احتياطات صحية أو تدخل جراحي إذا لزم الأمر.

حال النساء في قطاع غزة ليس أفضل من حالهن في الضفة الغربية، حيث استشهد وأصيب العشرات منهن جراء اعتداءات قوات الاحتلال الغاشم واقتحاماته المستمرة لمخيمات اللاجئين وللمدن والقرى الفلسطينية في القدس وباقي مناطق الضفة، إضافة إلى إرهاب المستوطنين واعتداءاتهم المستمرة التي وصلت حد حرق المنازل بساكنيها والممتلكات والمزارع وتهديد حياة الفلسطينيات والفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم.

الاحتلال صعد اعتداءاته في الضفة بالتزامن مع عدوانه على غزة من خلال تكثيف حملات الاقتحام والاعتقالات والإعدامات الميدانية وقطع أوصال المدن والبلدات وعزلها عن بعضها، ليصل عدد شهداء الضفة منذ السابع من تشرين الأول الماضي إلى 217 والجرحى إلى نحو 2900 والمعتقلين إلى أكثر من 3000 بينهم نساء، فضلا عن استمرار الاحتلال باحتجاز 50 أسيرة في معتقلاته في ظروف غاية في الصعوبة هن طفلات ومريضات وجريحات وكبيرات في السن، إضافة إلى ما تقوم به قوات الاحتلال من استخدام النساء والفتيات دروعا بشرية أثناء اقتحاماتها المستمرة للمدن والقرى الفلسطينية وهدم منازلهن وممتلكاتهن وتهجيرهن قسراً وحرمانهن من حقوقهن الأساسية، في ظل نظام الفصل العنصري الذي تقوم عليه (إسرائيل) القوة القائمة بالاحتلال.

أكثر من 75 عاماً من المعاناة جراء جرائم الاحتلال بحقها وبحق الشعب الفلسطيني لم تنل من عزيمتها، حيث ظلت المناضلة التي تدافع عن أرضها ومقدساتها.. تحفظ مفاتيح البيوت التي هجر أهلها منها وتسلمها أمانة للأولاد لأن العودة حتمية.. هي أم المقاومين الذين يرفضون الانكسار أمام الاحتلال مهما طغى.. الأسيرة التي تأبى الخضوع وأم الأسير الذي يواجه الويلات ويواصل معركة الحرية والكرامة.. هي الشهيدة التي تروي تراب فلسطين بدمها وأم الشهيد الذي تضيء روحه طريق التحرير.