وجهة نظر اقتصادية للخروج من الازمة الاقتصادية(الاعناق الزجاجية ) السورية سنة 2023

أ.د: حيان أحمد سلمان

سيداتي وسادتي : احييكم جميعا وأحي رابطتنا وإدارتها وكل الحضور . أتقدم بوجهة النظر التالية وأتمنى أن ترقى إلى المستوى المطلوب وخاصة أن الوقت المتاح لي هو بحدود /5/ دقائق فقط ،وخير الكلام ( ماقل ّ وعلى الحقيقة دلّ) ، وسأحاول ان أنطلق من ربط العلّة بالمعلول او السبب بالنتيجة و تفسير الأزمة من ذاتها ووفقا لثلاث خطوات مرتبطة مع بعضها ربطا جدليا متسلسلا وسأركز على الخطوة الثالثة والخطوات هي : الخطوة الأولى: ماهو واقع الاقتصاد السوري سنة /2023 / بعد /12/ عاما من الحرب والإرهاب الاقتصادي. الخطوة الثانية: ماهي تداعيات الحرب وحالة إدارة (النقصان والحرمان)  بدل (إدارة الوفرة والاكتفاء) . الخطوة الثالثة: ماهي ألية وإجراءات الخروج  من التداعيات و( الاعناق الزجاجية ) الاقتصادية  الحالية ؟. وسأبدأ بمعالجة الخطوات الثلاث وفقا لتسلسلها الوارد أعلاه : الخطوة الأولى: ماهو واقع الاقتصاد السوري سنة /2023 / بعد /12/ عاما من الحرب والإرهاب الاقتصادي: حقق الاقتصاد السوري خلال السنوات /2001 -2011/ أي خلال الخطتين الخمسيتين ( التاسعة والعاشرة )  من عهد التحديث والتطوير مؤشرات اقتصادية إيجابية  وأطلقت عليها  في كتاب ( سورية في مواجهة الحرب الكونية مع عدد من الباحثين مصطلح (السنوات العشر الذهبية ) وأكدت الكثير من المنظمات الدولية أن [  سورية من الدول الخمس الأكثر أمنا وأمانا في العالم وستنتقل قريبا إلى الاقتصاديات الناشئة ] وكانت من أقل دول العالم مديونية  ، ولكن بعد الحرب وأعمال الاحتلال والإرهاب والتدمير الممنهج والسرقة حيث فقد الاقتصاد السوري أكثر من  /66% / من قدرته الاقتصادية، وتراجعت قيمة الناتج المحلي الإجمالي  ( وهو الكعكة الاقتصادية المجتمعية ) في الشكل التالي : وبلغة الأرقام [ انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي من /62/ مليار دولار  سنة  /2010 /إلى أقل من  /20/ مليار دولار سنة /2022/ والنتاج النفطي من /385/ الف برميل إلى حدود /20/ ألف برميل وتراجع انتاج الغاز ومعدل النمو من /+5،2%/  وزاد معدلي التضخم والبطالة  من حدود /8%/  بعشرات المرات وتراجعت الصادرات من أكثر من /9000/ مليون دولار إلى عدة مئات والاحتياطيات النقدية والتي بلغت بحدود /22/ مليار دولار تكفي لتامين المستوردات لمدة /2/ سنة ومعدل الاستثمار /22%/ ، وتراجع الإنتاج النباتي والحيواني والصناعي والسياحة والخدمات  وزاد العجز في الموازنات السنوية والميزان التجاري وميزان المدفوعات وتراجعت القوة الشرائية لليرة السورية وزادت أسعار الصرف  ….الخ، وأصبحت كل مشكلة من هذه المشاكل سببا ونتيجة لغيرها في نفس الوقت ، لأن المشكلة الاقتصادية ككرة الثلج او النار كلما تدحرجت كلما كبرت ،وانعكست على الجوانب المجتمعية  فالحرب أثرت على كل المجتمع وكما في الشكل التالي وكل ماذكرناه أعلاه أوصلنا إلى ضرورة تحليل الخطوة الثانية . الخطوة الثانية: ماهي تداعيات الحرب وحالة إدارة (النقصان والحرمان)  بدل (إدارة الوفرة والاكتفاء): إن الأمور أعلاه أدت إلى خلخلة كبيرة في هيكل الاقتصاد السوري بكل مكوناته وسنركز على اهم الاختلالات وكما يلي : *    1- تراجع القدرة الإنتاجية وبالتالي (العرض الإجمالي  من السلع والخدمات من نفط وعاز وقطن وشوندر وثروة حيوانية ومنتجات صناعية وسياحة ….الخ ) ، فتراجعت معها الإيرادات والقدرة الاقتصادية والمالية  . *    2- زيادة (الطلب الكلي) على السلع والخدمات لمقتضيات حماية الوطن وترميم ما تم تدميره وزيادة المستوردات بالمقارنة مع الصادرات و النفقات والخسائر والعجوزات . *    3- نتيجة ( 1و2) حصلت (الفجوة التسويقية ) على السلع والخدمات و نعبر عنها بالمعادلة التالية: الفجوة التسويقية = الطلب الكلي – العرض الإجمالي. 4- نتيجة الفجوة التسويقية التي تزداد من يوم لآخر نشأت ( السوق السوداء ) وارتفعت الأسعار وزادت الاحتكارات ومنظومة الفساد ، وخلال (اقتصاد الحرب War Economy) تتراجع مؤشرات ( المربع الاقتصادي السحري) وأقصد بذلك مايلي[ تراجع معدل النمو الاقتصادي – تراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي ( الكعكة الاقتصادية المجتمعية ) نتيجة هذه زاد معدلي ( التضخم والبطالة ] وترافق هذا مع زيادة ( الإرهاب الاقتصادي من عقوبات وحصار فزادت معاناة الشعب السوري بكل مكوناته وخاصة الفئات الأضعف وزاد معدل ( العناء الاقتصادي ) وأقصد به [ معدل البطالة + معدل التضخم ] .وتراجعت الصادرات والمستوردات لكن تراجع معدل الصادرات اكبر من المستوردات ونتج عن هذا زيادة أسعار الصرف تراجعت نسبة التغطية واقصد بها: نسبة التغطية = [( قيمة الصادرات ÷ قيمة المستوردات ) ×100]. والخطوة الأولى والثانية لو سيطرتا على اقوى اقتصاد في العالم وهو الاقتصاد الامريكية ويشكل /22%/ من الاقتصاد العالمي لترنح وسقط لكن سورية صمدت ولن نستسلم لأن ثمن الاستسلام اكبر من ثمن المقاومة كما قال السيد الرئيس الدكتور ( بشار الأسد ) وللإنتقال نحو الأفضل نقترح الخطوة الثالثة . وقد اعتمدت بها على أن للثروة ( أب وهو العمل وأم وهي الأرض ) ، وسأحاول أن احاكي التجربة ( الماليزية ) التي اعتمدت مقولة [انظر حولك واحشد طاقاتك وابحث عن ثرواتك فوق الأرض وتحتها، واستجمع قواك وعقولك وخبراتك واستنهض طاقتك الكامنة لمواجهة الأزمات] .   الخطوة الثالثة: اقتراحات للخروج من التداعيات و( الاعناق الزجاجية ) الاقتصادية الناجمة عن الحرب والإرهاب: انطلاقا مما سبق أعلاه  أقترح مايلي : 1-     الحفاظ على هيبة (الدولة ومؤسساتها ) لترسيخ أسس الاستقرار بما يشجع على تفعيل الاقتصاد وزيادة الاستثمارات.   2-    تفعيل  الإمكانيات  (المتاحة والكامنة )  لزيادة الإيرادات من خلال وضع خرائط استثمارية ( زراعية أي استغلال كل م2 وصناعية من خلال سبر الطاقات الصناعية  المتاحة وخدمية،  وان يكون قطاع الخدمات مخدما لقطاع الإنتاج المادية (الزراعة والصناعة). 3-    زيادة التشبيك القطاعي بين الخرائط الثلاث السابقة كما فعلت ( اليابان وألمانيا والصين ) بعد الحرب العالمية الثانية. وتفعيل المراكز البحثية لتقديم رؤى اقتصادية واقعية ليكون اليوم افضل من البارحة وغدا أفضل من اليوم على قاعدة ربط الدخل بالاحتياجات الأساسية الضرورية  مع التركيز على زيادة عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة والعناقيد الصناعية  . 4-    تعزيز العلاقة مع محوري المقاومة ومواجهة الإرهاب والتعامل بالمقايضة والعملات الوطنية وفتح بنوك مشتركة لعملاتها 5-    انسجاما مع (1و2و3و4) أقترح الرؤية التالية  وهي خمس  خطوات كما في الشكل التالي : 6-    لتنفيذ الرؤية السابقة نقترح وضع سياسة ( مالية  نقدية ) مناسبة للوصول إلى مايدعى ( المزيج المالي المناسب ) لان كل علاقة اقتصادية تؤول في مآلها الأخير إلى العلاقة النقدية، وأن نحدد أي سعر أو أسعار صرف نريد ؟ هل سعر صرف عائم أم موجه أم انتقائي وان تكون مرنة تناسب حركة الأسواق الدائمة. 7-    تؤكد الوقائع أن للحرب متطلباتها ولزمن الحرب مقتضياته ،وفي كثير من الأحيان نحتاج إلى اعتماد أسلوب ( التحايل الاقتصادي ) وهنا نقترح على سبيل المثال وليس الحصر [غض الطرف عن الاقتصاد غير الرسمي والسوق السوداء للكثير من السلع التي لاتشكل خطرا على الاقتصاد الوطني – زيادة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية على أساس اللامركزية كما فعلت أمريكا وروسيا  في الحرب العالمية الثانية وتعمل الصين حاليا  – ترسيخ سياسة نقدية ومالية مرنة وواقعية –  تشكيل مجلس إنتاجي ( جيش اقتصادي ) مهمته البحث في التكلفة  واستغلال الموارد النادرة وتشكيل منظومة تخزينية على مبدأ الاستعداد لمواجهة الأسوأ وتفعيل الاعلام الوطني لوضع المواطن بصورة الواقع دائما….الخ ] . 8-    اعتماد سياسة انفتاح خارجية لتجاوز الحصار والعقوبات المفروضين من طرف واحد أي ليس بموافقة (مجلس الامن) ولدينا من الأصدقاء الكثير ( الدول العربية وبر يكس و شنغهاي والاتحاد الأوراسي و مجموعة إلبا و سيلاك] وغيرها،  اعتماد مؤشرات اقتصادية جديدة تتناسب مع اقتصاد الحرب وان نركز على ( الإدارة والإرادة ) وحروف كل من الكلمتين متطابقتان وليس عن عبث أي أننا بحاجة إلى ( إدارة الإرادة وإرادة الإدارة )  ومنها مثلا [ التركيز على كفاءة العمل و الانتماء والوطنية و تشديد الرقابة على النتائج المحققة ومقارنتها مع الإنتاجية او المردودية المعيارية  ( الحساب الاقتصادي)  و ترسيخ ثقافة الإنتاج أكثر من ثقافة الاستهلاك وزيادة الضوابط على الأسعار وأسعار الصرف والخدمات العامة وانسياب السلع والخدمات والاستثمارات و تشجيع ريادة الاعمال وبما يخدم اقتصاد الحرب والمبادرات الفردية و تفعيل عمل القطاع الخاص ] وغيرها. 9-    زج كل القوى والامكانيات لفرض سيطرة الدولة على كامل الأرض السورية واسترجاع مواردها ومواجهة الإرهاب فمثلا إن الجزيرة السورية وإدلب  تحتوي على اكثر من /62%/ من الثروة السورية الكلية . 10-              وضع خطة لتامين التمويل اللازم لإعادة الاعمار سواء من مصادر داخلية وخارجية  ويمكن الإشارة إليها كما يلي : *    المصادر الداخلية : استنفار القدرات المتاحة والكامنة وخلق الائتمانيات والنقود وتحسين النظام الائتماني وتوجيه الديون نحو المشاريع الإنتاجية لزيادة سلسلة القيم المضافة وربط الائتمان المصرفي مع نسبة الإنجاز المحققة كما تفعل الصين حاليا، والاعتماد على المغتربين السوريين واستثماراتهم وتشجيعهم للعودة وإعادة النظر في ممتلكات القطاع الحكومي ( المعطلة ) وتسييلها أي تحويلها إلى سيولة لزيادة قوة الموقع الاقتصادي ، واعتماد  سياسة التحوط لتجاوز تذبذب أسعار الصرف والتي تزداد عادة مع عمليات إعادة الإعمار ، ووضع خطة عملية علمية لتجاوز الخلل الكبير في سعر الصرف ، وقد أطلقنا على هذه الظاهرة في دراساتنا السابقة مصطلح (الإعصار النقدي ) ،ومكافحة عمل المضاربين ودورهم في خلق المشكلة وزيادة حدتها من خلال بث  الإشاعات الاقتصادية المسيئة للاقتصاد الوطني من خلال تأجيج المشكلة والتفاعل بين خطواتها (التغذية المرتدة)  المترابطة مع بعضها البعض ، وتظهر معالم الاعصار النقدي والذي عانينا منه كثيرا وبجوهره يعتمد على بث إشاعات كاذبة من قبل من ينقصهم الجرعات الوطنية ويمكن تمثيله بخطواته الخمس كما في الشكل التالي :      *    المصادر الخارجية : الاعتماد على بنك البريكس وتقوية العلاقة مع مشروع طريق الحرير وطالما ان المديونية مرتبطة بمشاريع إنتاجية فهي ( مديونية محمودة )وعلى أساس التشاركية ( رابح – رابح ) ومنع المضاربات وخاصة على العملات وبما يحفز المستثمرين على الدخول في السوق من دون خوف من انهيار العملة ورفض مقترحات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي  وربط الاقتصاد الجزئي بالكلي ( Mecro @MACROEconomiesوتأسيس خلية ( إدارة الازمة وليس الإدارة بالأزمة ) . وأخيرا : برأينا أن كل الازمات تحمل بذاتها بذور حلها ، والازمة مثلا في القاموس الصيني تعني ( فرصة قد تكون نقمة او محنة ويمكن ان تكون نعمة او منحة ) فلماذا لا نحول المحنة إلى منحة، وخاصة انه  مع اشتداد حقد الإرهابيين والدول الداعمة لهم تحولت بعض المشاكل إلى أزمات  ، لأن أي مشكلة هي ككرة الثلج او كرة النار كلما تدحرجت كلما كبرت ، وخاصة في زمن اقتصاد الحرب أو اقتصاد المقاومة ، ومواجهة ( منظومة الفساد ) وسيطرة الاحتكارات والمحتكرين وتعزيز التنافسية وتفعيل عمل القطاع الخاص والتعاوني والتشاركي وخاصة في تامين حوامل الطاقة ولا سيما للقطاع الإنتاجي ( الزراعة والصناعة ) ، وضرورة ربط إجراءات الإصلاحات الإدارية بمفهوم ( زيادة القيمة المضافة ) في كل مؤسسة وعلى أسس الشفافية والمحاسبة وفقا لبرنامج زمني واضح ، و ربط الأجور بالإنتاجية والاستيراد بالتصدير والتخلي عن تمويل المستوردات إلا للسلع الضرورية ، وتفعيل عمل المجالس المحلية والبلديات  في استثمار الموارد المتاحة وتفعيل ( اللامركزية الاقتصادية ) وعلى مبدأ الحساب الاقتصادي وبما يشمل منح التراخيص لإقامة المشاريع الاستثمارية وزيادة تحصيل الإيرادات ، واعتماد نمط جديد باسم ( قروض الإدارة المحلية )ويمكن توجيهها لفعاليات اقتصادية داخل كل منطقة إدارية ، وتعزيز رؤية ربط البحار الخمس للاستفادة من موقع سورية الجيوسياسي وقد طرحها السيد الرئيس ( بشار الأسد) سنة /2004/وفتح ممرات تنمية جديد مع الشرق وان يمر طريق الحرير عبر ( بغداد وطهران )الى الدول الأخرى وبما ينسجم مع ربط البحار الخمس . دمشق 13/7/2023 وشكرا لإصغائكم  

  ملاحظة : الخطوات التنفيذية للرؤية السابقة موجودة ومستعدين لتقديمها عند رغبة رابطتنا  بذلك .