النقود الدولية بعد الحرب الروسية الناتوية ؟.

أ .د : حيان أحمد سلمان .

يشهد سوق النقد  العالمي حاليا تناقضات  صراعات وجدل لم بشهده من تاريخ التعامل بالنقد منذ /أكثر من /5000/ ألاف سنة ، حيث تؤكد الكثير من الدراسات أن التعامل بالنقد بدأ حوالي سنة /3000/ قبل الميلاد، أما الآن ومع اشتداد الصراعات العالمية وتغير مراكز القوة الاقتصادية وانتقالها بشكل نسبي من الدول الغربية إلى الدول الشرقية والاقتصاديات الناشئة مثل ( الصين والهند وروسيا وإندونيسيا وايران…الخ ) ومع استمرار الحرب ( الروسية الناتوية الأوكرانية ) على ارض أوكرانيا وتزايد قرع طبول الحرب التجارية بين الاقتصادين الكبيرين ( الصيني والأمريكي ) وزيادة التحالفات الاقتصادية الدولية ودعوة الكثير من دول العالم إلى تشكيل اتحادات نقدية فيما بين بعضها البعض ، ومعروف أن الاتحاد النقدي هو المراحل التي تسبق الاتحاد الاقتصادي وأعلى مستوى يعبر عن الترابط في العلاقات التجارية للدول المتحالفة ،فهل تؤدي هذه التناقضات إلى ظهور عملات جديدة ؟!، ولا سيما ان المؤسسات الدولية العالمية بدأت تدعو إلى ضرورة تغيير في أسس النظام النقدي العالمي الذي ترسخ بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا بعد مؤتمر ( بريتون وودز ) سنة /1944/ في ولاية ( نيوهامشر ) الامريكية وترسخ الدولار كعملة للعملات رغم الازمات المالية التي نتجت عن ذلك وخاصة الغاء ( الدولار الذهبي ) بتاريخ 15/8/1971 ، لكن استمر الدولار مسيطرا في تنفيذ العمليات الاقتصادية والتجارة و الاحتياطيات النقدية وتقييم الأصول العالمية وأسعار الأسهم في البورصات الدولية …الخ ؟، وكدليل على ذلك أكد ( صندوق النقد الدولي ) على ان أكثر من /70%/ من الاحتياطيات النقدية الدولية كانت مقيمة بالدولار الأمريكي لكن انخفضت سنة /2022/ إلى نسبة /59%/ ؟ ، وبقراءة وتحليل لما يجري حاليا نسأل بل نتساءل هل ستوجد عملات جديدة بديلة أو مضافة إلى العملات الأربع المتعامل بها وهي ( الدولار الامريكي  والجنيه الإسترليني والين الياباني واليورو الأوروبي )؟ ، وهذه العملات الأربع تقريبا هي القابلة للتحويل عالميا وتخضع إلى توجيهات البنك الفيدرالي الأمريكي ، وكل هذه الدول لها موقف معادي لروسيا والصين ، وتفرض عقوبات على اغلب دول العالم وتريد ترسيخ قناعة لدى شعوب العالم أن ( الغرب هو مركز العالم وأن الدول الأخرى أطراف في الجسم الاقتصادي العالمي ، وقد الحق هذا ضررا كبيرا في هيكل الاقتصاد العالمي ، وهذا دفع اغلب دول العالم إلى تململها وانزعاجها من هذه الغطرسة الغربية والدعوة إلى إيجاد عملة جديدة أو العودة إلى ( قاعدة الذهب- المعدن الأصفر  ) أي التعامل بالذهب كعملة دولية  ، والامثلة كثيرة ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر [ أكد مجلس الذهب العالمي ومقره في لندن على انه في الربع الأول من سنة /2023/ استحوذت البنوك المركزية على حوالي /229/ طن من الذهب أضافتها إلى احتياطاتها النقدية بزيادة قدرها /176%/ عن سنة /2022/ ، وجاء ذلك بعد عمليات شراء كبيرة من الذهب تجاوزت /1136/ طن من الذهب ، كما اتخذت الصين وهي القوة الاقتصادية العالمية الثانية ويتوقع أن تصبح قريبا الاقتصاد الأول إذا  استمرت في تحقيق معدلات النمو الاقتصادية المرتفعة وبأضعاف مضاعفة عنها في الدول الغربية وبالتنسيق مع روسيا منذ سنة /2022/ بأن يتم تسوية الحسابات المالية والتجارية من ( صادرات ومستوردات )  مع دول العالم بكل من ( اليوان الصيني والروبل الروسي )وخاصة بعد ان صندوق النقد الدولي اعتمد اليوان الصيني کعملة دولية قابلة للاستخدام الحر ضمن حقوق السحب الخاصة في شهر تشرين الأول سنة /2016/، كما  تم  تسعير أسهم/  24/  شركة صينية مدرجة في بورصة (هونغ كونغ)  باليوان الصيني بداية من يوم 19/6/2022 ، بما يمنح العملة الصينية دفعة إضافية في عالم التمويل العالمي وفي عالم الاستثمار العالمي .وامام هذا التحول قامت بورصة هونغ كونغ أطلقت برنامج (( market-maker أي  (صانع السوق) ويعني تخفيض فروق الأسعار ما بين (الدولار واليوان) ولا سيما مع رواج التعامل بالعملة الصينية الرقمية ، كما تطالب الصين بالتعامل باليوان في قطاع النفط وترسيخ مصطلح ( بترو يوان ) على غرار ( بترو دولار ) ، وفي بداية سنة /2023/ ومع اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة ( البر يكس ) التي تضم اقتصاديات ناشئة كبيرة وهي (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ) ومع زيادة القدرة الاقتصادية لهذه المجموعة بدأت أغلب دول العالم تطلب الانضمام اليها ، وقد تقدمت /19/ دولة بطلب للانضمام ومنها [السعودية والامارات والجزائر ومصر والغابون وجزر القمر وغيرها ]وهذا يعني تحول مجموعة البر يكس إلى ( بريكس+ بلاس ) واتي ستشكل اكثر من /60%/ من الاقتصاد العالمي وكلها تطالب بتعديل النظام المالي العالمي وأغلبها ايدت موقفها المؤيد او المحايد من الحرب الروسية الناتوية وأسست المجموعة بنكا استثماريا برأسمال /50/ مليار دولار إضافة إلى بنك المشرق  وسيتم توسعهما  مستقبلا وسيكونان بديلين  عن ( صندوق النقد والبنك الدولي ) ، كما تسعى دول أمريكا اللاتينية لتفعيل عملة ( سور ) وتعني ( الجنوب ) انطلاقا من اتفاق (  ( البرازيل والارجنتين وفنزويلا ) لتجاوز التداعيات السلبية للتعامل بالدولار ، وتسعى لتمتد منطقة ( سور ) النقدية لتشمل  دول أمريكا اللاتينية  ومنطقة الكاريبي ، كما نتلمس مقدمات أفريقية من قبل ( الاتحاد الافريقي )  لإنشاء عملة موحدة تدعى ( أقرو )  سيتم ربطها مع عملة دولة جنوب أفريقيا ( راند) وهي دولة أساسية  عضو في مجموعة البر يكس مما يعني دعم عملة مجموعة البر يكس المقترحة ، كما تشهد الأسواق العالمية نموا للعملات الإلكترونية المشفرة  مثل ( البتكوين  BITCOIN )  ومثيلاتها ] وأمام تغير معالم السوق النقدية العالمية بعد الحرب الأوكرانية نتفهم دعوة السيدة (كريستينا جور جيفا)  مديرة صندوق النقد الدولي في العاصمة المغربية ( الرباط ) بقولها [ بأن الصندوق يعمل على إنشاء منصة لعملات رقمية خاضعة للبنوك المركزية لتيسير المعاملات بين الدول] .واكدت أنه يوجد /114/ بنك مركزي تبحث عن استكشاف العملات الرقمية واستكملت عشرة منها المهمة بالفعل. وهذا سيساهم في تخفيض تكلفة تحويل العملات والتي بلغت /44/ مليار دولار مما يقلل من دور منظومة ( سويفت Swift  الغربية الامريكية ) ، فهل سنشهد مناطق نقدية دولية جديدة وفيها عملة عربية موحدة وخاصة اننا نمتلك أكثر من /52%/ من احتياطيات النفط والغاز الدولية ، ولدينا سوق واسعة يبلغ عدد مستهلكيها /441/ مليون نسمة وعلى مساحة قدرها /13،2/ كيلومتر مربع ونمتلك كل المقومات لنحجز مقعدا على الطاولة المستديرة للتحالفات الدولية ؟.وأمام هذه المتغيرات الكبيرة هل نشهد  تغير في  بنية النظام العالمي الجديد بدءا من مجلس الامن والدول الدائمة العضوية ، وهل نتقدم بهذا الاقتراح لاقتصادي سوري  في قمتنا  الاقتصادية العربية أو الإسلامية أو مجموعة /77/ أو دول عدم الانحياز القادمة نأمل ذلك  ؟.

  دمشق 22/6/2023