“سكبة رمضان” عادة رمضانية قديمة متوارثة بين السوريين، حيث تقوم العائلة السورية بتوزيع جزء من طعامها على من حولها من الجيران، ويتشارك الغني مع الفقير بلقمته، بهدف زيادة الألفة والمحبة فيما بينهم.
وتعد السكبة حسب الباحث في التاريخ والتراث السوري نصر فليحان واحدة من صور التكافل الاجتماعي السوري، فكل طبق يرسل به الجار لجاره محمل بالمحبة، فضلاً عن كونها طريقة إنسانية في تقديم العون للأسر الفقيرة.
وفي حديث لـ سانا بين فليحان أنه على الرغم من كون “السكبة” عادة سورية قديمة تتمسك بها أغلب المحافظات، إلا أنه لا يزال لها رونقها الخاص، وخصوصاً عندما تقف على عتبة باب البيت قرب موعد الإفطار، وتشاهد أطفال الحي يحملون طبقاً من الطعام ويرسل به إلى جيرانهم في مشهد يعكس مدى تمسك الناس في مجتمعنا بالقيم الأخلاقية الرفيعة.
هل السكبة مازالت قائمة رغم الظروف الراهنة؟
مراسلة سانا في حلب تحدثت مع بعض الأشخاص عن هذا الطقس المجتمعي، حيث بين عثمان حسن “أن أغلب العادات الرمضانية تبدلت بسبب الحرب والزلزال، إلا أن عادة سكبة رمضان مستمرة مع تراجع بسيط بسبب الوضع المعيشي القاسي، ولكن ما زلنا نتبادل بعض الأطباق مع جيراننا المقربين فقط”.
“لم يكن يهمني نوع الطعام الذي كنت أحمله في طبق يُسمى السكبة، بقدر ما كنت أفرح بحملي شيئاً بين يدي سيسعد جيراننا كما كانت تسعدني سكبتهم، لقد أيقنت أن السكبة تزيد البركة حين كانت أمي تطبخ صنفاً واحداً من الطعام، وكنت أعترض على ذلك، إلا أنها كانت تقول لي: إن رمضان كريم، لم يكن جوابها يقنعني حينها، لكن ما إن يقترب موعد أذان المغرب حتى يبدأ تبادل الأطباق التي يحملها الأطفال أو النساء، فتمتلئ مائدتنا بأصناف متعددة، فأدركت فعلا أن رمضان كريم مبارك… بهذه الكلمات تذكرت المرشدة الاجتماعية نور علاف عادة السكبة بين أهالي الحي.
أما رشا إبراهيم مغتربة خارج البلاد فبينت “أن السكبة أصبحت ذكرى جميلة في أذهانهم إلا في حالات نادرة، فالمجتمع هناك يختلف كلياً بعاداته وتقاليده، ويكتفون بتبادل صور الموائد والأطباق وطرق تحضيرها عبر الإنترنت.
كيف تطور مفهوم “السكبة” في المجتمع الأهلي السوري؟
تطور مفهوم السكبة عند
المجتمع السوري حيث بات العديد من الجمعيات الأهلية في مختلف المحافظات يحرص على أن يكون من ضمن مشاريعها السنوية إقامة مطبخ للطعام خلال شهر رمضان المبارك، ولعل من أقدم الجمعيات التي عملت على التمسك بمفهوم السكبة جمعية “رعاية الطفل” الخيرية العريقة بحمص ومقرها حي باب هود بالمدينة القديمة، وذلك من خلال مطبخ دار الخير التابع لها، حيث تنهمك النسوة بإعداد مختلف الأطباق من الأكلات السورية، إضافة لتوضيب الصحون المعدة للتوزيع على الأسر الفقيرة والمحتاجة يومياً في رمضان على مدى سنوات، بهدف المحافظة على التعاضد الاجتماعي والتآزر بين مختلف شرائح المجتمع.
وخلال حديثها لمراسلة سانا بحمص أشارت مسؤولة المطبخ لمى هلال إلى أن المطبخ تأسس منذ عام 2004 ليقوم بتقديم مختلف أصناف المونة السورية، إضافة للطبخ لتقديم وجبات الإفطار خلال الشهر الفضيل، منوهة بأنه برغم الظروف الاقتصادية الصعبة إلا أن الإحسان لم ينقطع بين الناس وحب التكافل الاجتماعي، حيث يتم إعداد أكثر الأطباق شهرة، وتلاقي إقبالاً من الكبسة والكبة المقلية والكبيبة باللحم، نظرا لسهولة إعدادها وتخديم أكبر عدد من المحتاجين والفقراء.
ولفتت إلى أنه يتم الطبخ من قبل عدد من السيدات المتطوعات، فالسكبة الرمضانية متوارثة منذ الأجداد، وصورة تبادل صحون الطعام بين الأهل والجيران لا تزال في البال والذاكرة.
أحد المنتسبين القدماء للجمعية لمى أتاسي قالت: “إن الجمعية لا تزال تحافظ على تراث حمص وعاداتها منذ تأسيسها عام 1957 في حي باب هود أحد أعرق الأحياء بالمدينة، من خلال المحافظة على طابع الحي وعادات أهله بالاستمرار بتوزيع الأطباق الرمضانية للعائلات المحيطة بالجمعية والمسجلين وعابري السبيل وكل محتاج لوجبة إفطار، حيث يتم يوميا تجهيز ما لا يقل عن 120 وجبة وكل واحدة منها تكفي لخمسة أشخاص وتستمر وجبة إفطار صائم بالجمعية بفضل أصحاب الأيادي البيضاء ودعمهم المستمر لها”.
ومن السيدات المتطوعات بالمطبخ منذ نحو 17 عاما تقول هناء عزيزة: “شهر رمضان يكرس الألفة والخير والتواصل مع جيراننا دون انقطاع، وتبادل الأطباق فيما بيننا يعزز الحميمية بين الجيران والألفة والمحبة بالمجتمع”.
وبعد إعداد الوجبات في الأطباق من قبل السيدات يأتي دور الشباب المتطوع بالجمعية لإيصالها للمحتاجين قبيل حلول الإفطار بزمن قصير، حيث يقول الشاب المتطوع جمال الدين إدريس: “إنه يشارك بتوزيع وجبات الإفطار مع رفاقه منذ نحو ثلاث سنوات، ولا تفارق ذاكرته تلك الصورة في طفولته عندما كان يساعد أهله بتوزيع صحون الطعام على الجيران، آملا باستمرار هكذا عادات باعتبارها تراثاً سورياً أصيلا”.