ميلاد التاريخ الميلادي

من بوابة عام ميلادي جديد بدأنا نقلب أوراق روزنامته ندخل متسائلين عن أسرار التقويم الميلادي.. كيف ولد وكيف تطور؟
قد يكون الزمن مسألة نسبية لكن المزارعين لابد وأنهم تساءلوا كيف لهم أن ينظموا أمر زراعتهم ومواسم حصادهم منذ أن بدأ الإنسان بزراعة طعامه وتحديد أوقات الحصاد وقطف الثمار ولابد أن أول من أرشده لابتداع الأنظمة التي يمكنها أن تساعده هي السماء فهي أول من هداه إلى الروزنامة المناسبة فأدرك أن رحلة القمر في مساره يولد كهلال دقيق لا يرى بالعين المجرد إلى أن يصبح بدرا كاملا ثم يتقلص شيئا فشيئا حتى يختفي و رحلته هذه تستغرق ٢٩.٥ يوما ودورته هذه تشكل شهرا قمريا لتقدم معلومة للمراقبين لمسار الزمن أن عدد ساعات ضوء النهار وظلام الليل تتساوى مرتين كل اثنتي عشرة دورة قمرية هذه الأيام وهي مواقيت الاعتدال الربيعي والاعتدال الخريفي التي  تحدد مواقيت بدء الفصول والمواسم، والزمن بين الاعتدال الربيعي والاعتدال الربيعي الذي يليه يشكل سنة شمسية واحدة
والبراعة كانت تكمن في وضع تقويم يضم اشهرا قمرية وسنوات شمسية هذه مسألة ليست بالسهلة فالأشهر القمرية لا تتطابق تماما مع السنوات الشمسية فالحل الوسط كان بإدخال اثنتي عشرة دورة قمرية وهي مايزيد قليلا عن ٣٥٤ يوما في دورة شمسية واحدة غير أن من شأن ذلك أن يبقي احد عشر يوما شمسيا خارج نطاق الزمن لذلك فإنه بمرور ثلاث سنوات على التقويم القمري يبقى ثلاثة وثلاثون يوما خارج هذه الأشهر وتدريجيا ومع مرور الوقت لابد لشهر حزيران ان يحل في موعد شديد البرودة بينما يحل شهر تشرين الثاني في وقت تعم فيه حرارة لاهبة فكان الحل الوحيد انذاك للتوفيق بين التقويم القمري والتقويم الشمسي  بإدخال المزيد من من الأيام والاشهر فماكان من الرومان إلا أن ابتدعوا شهرا إضافيا بعد شهر شباط يحل مرة كل عامين واطلقوا عليه اسم مرسيدونيوس لكن السنة راحت تزيد يوما واحدا كل عام وبهذا تصبح السنة الرومانية تسبق تدريجيا السنة الشمسية إلى أن تدخّل قيصر روما يوليوس قيصر ففي عام (٤٦)ق.م تقرر اتباع إستراتيجية من شأنها إضافة ثلاثة أشهر إلى السنة الرومانية القائمة انذاك بهدف ترتيب الأمور وجعل السنة الرومانية تتكون من ٣٦٥يوما مع إضافة يوم كل أربع سنوات لشهر شباط وألغى شهر مرسيدونيوس ولكي تتساوى الأشهر القمرية مع السنة الشمسية عمد يوليوس قيصر لإضافة أيام للاشهر بإستثناء شهر شباط إلى أن وصل العدد إلى ٣٦٥ يوم. فتح ذلك الترتيب فجوة في فكرة وجود شهور تتبع مسار القمر وكان على القمر بالتالي وبناء على ترتيب يوليوس قيصر ان ينحني امام الشمس غير انه كان لابد من مرور عقود عدة لتسوية الالتواءات القليلة التي ظل التقويم يعاني منها فقد كان هناك فارق بإحدى عشرة دقيقة كل سنة وتبعا لهذا الفرق تخلفت السنة الشمسية بمعدل عشرة أيام وقد آثار هذا قلق الكنيسة الكاثوليكية التي عمدت لاستخدام تقويم يوليوس قيصر لقرون عدة حيث إن تاريخ الاعتدال الربيعي كان يبتعد عن الموعد الصحيح لعيد الفصح فقد كان المسيحيون قد قرروا في القرن الرايع الميلادي ان يتم الاحتفال بعيد الفصح في يوم الأحد الذي يلي اول بدر يأتي بعد الاعتدال الربيعي غير أن تقويم يوليوس قيصر يتجاوز السنة الشمسية بمعدل واحد كل ١٣٠ سنة وبحلول عام ١٥٠٠ م حل الاعتدال في العاشر او الحادي عشر من شهر آذار بدلا من الحادي والعشرين منه ولذا في عام ١٥٨٢ امر البابا جريجوري الثالث عشر الناس بأن يخلدو للنوم في يوم الخميس الرابع من شهر تشرين الأول وإن يستيقظوا في اليوم التالي وهو يوم الجمعة ليكون التاريخ هو الخامس عشر من تشرين الأول هذا التعديل البالغ عشرة أيام جاء مناسبا وبذلك اضاف البابا جريجوري تعديلا جديدا على التقويم الميلادي وعلى هذا الأساس ظل التقويم يسمى منذ ذلك الحين بالتقويم الجريجوري وبناء على هذا التقويم فإن سنوات ١٧٠٠ و١٨٠٠ لن تعتبر سنوات كبيسة الا اذا كانت تتقسم على الرقم ٤٠٠ مثل سنة ١٦٠٠ أو٢٠٠٠ والنتيجة ان التقويم الجريجوري الذي مازال مستخدما حتى الآن يفترق عن التقويم الشمسي بمعدل ٢٦ ثانية فقط وهذا يعني فرقاً يقدر بيوم واحد كل ٣٣٢٣ سنة
أبطال كثر شاركوا بقصة السنة الميلادية التي مرت بمراحل عديدة عبر التاريخ منهم من سجلت صفحات التاريخ أسمائهم ومنهم اوائل من رفعوا رأسهم للسماء ليراقبوا القمر والنجوم ويستخلصوا منها مواعيد ارشدهتم وساعدتهم في وضع التقويم الميلادي.

اعداد: مجد حيدر