اذاعة دمشق وفيروز والحب الكبير

قالت (كلما سمعت فاصلاً من موشحاتي تذكرت دمشق) فكان جواب الدمشقيين خاصة والسوريين عموما، شوارع دمشق خاوية إن غابت عن مسامعها اغانيك وصباحاتها عابرة اذا ماتوجتها ألحان تصدر من حنجرتك… صوت اعتاد السوريون على تغريده العذب كل يوم عبر الإذاعات الرسمية والخاصة
نحبها في الصيف ونحبها في الشتاء وكم شعرنا أننا لمسنا القمر عندما غنت نحنا والقمر جيران كم مرة شعرنا بالفقد عندما سمعناها ب يا حلو شوبخاف إني ضيعك وهي التي جعلت لكل منا هوية جديدة عندما غنت اسامينا هي التي غنت
“أنا ياعصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطن” لكن صوتها استطاع أن يكون وطناً للملايين بصوت وحضور ورقيٍّ حملوها إلى قلوب وافئدة كل من سمعها واحبها حد العشق
هي نهاد حداد من مواليد ٢١ نوفمبر عام ١٩٣٥ هذا اليوم الذي شهد ولادة فيروز التي كانت أول الأبناء لأب يدعى وديع حداد يعمل كعامل بسيط في أحد محلات الطباعة وأم تدعى ليزا البستاني تعمل كربّة منزل وككثير من العائلات اللبنانية كانت عائلة فيروز بسيطة وفقيرة فقررت العمل لاعانة أهلها لكنها لم تكن تجيد سوى شيء واحد وهو الغناء فكانت البداية  في عمر الخامسة عشرة حيث اتجهت إلى استديو الأخوين فليفل وهم من لحن النشيد الوطني السوري وهناك كان صوت فيروز بمثابة الكنز المكتشف وقدم الأخوان انذاك اكتشافَها للعامة
وفي أحد الأيام كان الأمير يحيى الشهابي كبير المذيعين في إذاعة دمشق ومدير البرامج فيها انذاك كان يتناول طعامه في أحد مطاعم بيروت وكان مذياع المطعم يبث برامج الإذاعة اللبنانية وإذ يقدم المذيع مطربة اسمها فيروز بقى  يستمع لصوتها الذي أدهشه فتوجه إلى مقر إذاعة بيروت وسأل حليم الرومي رئيس دائرة الموسيقى في الإذاعة انذاك عن المطربة فاستدعاها الرومي وإذ بها تدخل ومعها عاصي الرحباني يحمل كمانه برفقة شقيقه منصور ومعه بزقه وعرض عليهم الشهابي العمل في إذاعة دمشق فوافقوا فوراً لأن إذاعة دمشق كانت من اقوى الاذاعات العربية  ففتحت أبواب استديوهاتها محتضنة فيروز منذ أيامها الأولى والبداية من اغنية عتاب هذه الأغنية التي سُجلت أولا لصالح الإذاعة اللبنانية لكنها لم تنتشر لأن البث كان محدودا وكان يمكن أن تُنسى ولكن يبدو أنه كان لها خصوصيتها في حياة فيروز وعاصي فأرادا لها أن تنتشر ورغبا في إعادة تسجيلها لصالح إذاعة دمشق وهذا كان في يوم ١٢ نوفمبر ١٩٥٢ فانتشرت الأغنية وانطلق صوت فيروز عندما استمع العالم العربي من إذاعة دمشق اغنية عتاب من تأليف وتلحين الأخوين رحباني وقد سافرت معها إلى القاهرة بدعوة من محطتي القاهرة وصوت العرب حيث قدموا العديد من الاغنيات الناجحة


واستمرت تلك العلاقة الوطيدة بين دمشق وفيروز أعواما طويلة اثمرت عن ١٥ اغنية قدمتها لسورية ودمشق وأولها ذكرى بردى للاخطل الصغير ومشاركات سنوية في معرض دمشق الدولي حيث صوتها يمتد في كل مشاركة على طول نهر بردى من جوار التكية السليمانية ومتحف دمشق الوطني وصولا إلى كل ارجاء أرض المعرض حيث مكبرات الصوت تصدح باغنيات كانت ثمرة لتلك لعلاقة  والحب يكبر بينهما ففي عام ٢٠٠٨ كانت آخر حفلات السيدة فيروز على مسرح دار الأوبرا بدمشق واعادت تقديم مسرحية صح النوم لتكون ابنة لبنان فيروز في مدينة عربية أخرى هي الشام التي غنت لها وعنها وفيها تاركة صوتها السحري يصدح في احيائها معلناً بداية يوم جديد.

اعداد : مجد حيدر