رواية   “تنسى “…!؟أطروحة جريئة لابن ثمانية عشر ربيعا…

في رواية كتبت بنسيج خاص من لغة وبوح النثرية الدافقة التي تحتمل جمالية التصوير البليغ وبث المشاعر المتدفقة في سطور تختصر الحكاية وتختزل المعاني ,حمل الكاتب أوراقه قصصا متناثرة في قصة واحدة بطلتها الحبيبة الحاضرة حينا والغائبة أحيانا إنها كعبته التي يدور حولها ويرى من خلالها الحياة وهو الشاب في الثامنة عشرة ربيعا …هي نافذة ضيقة جدا تطل على تفاصيل وعوالم حبيبة ستهجره من أول الطريق , لكنها ستعيش من خلاله ويعيش ليستقرأ حضورها الغامض في خبايا الرحلة اليومية  ,إنها رواية لمعشوقة تحتمل الأسئلة في شجرة الحياة الباسقة ..ومن خلال الرواية بثنا وبأسلوب التوظيف قصائده النثرية التي مثلت مذكرات تشيه قصة قصيرة جدا تخدم السردية الوجدانية التي اعتمدها في روايته ,وعمل على تقانة التوظيف النصي للمثيولوجيا الشعبية ليجعل لقصته أبعادا تاريخية ذات اسقاطات واقعية مثال من ص (122): 

يوشع شهيد في هذه الحرب

حمص بلا يوشع , بلا أبويه , بلا أخته , بلا أخوة ..

حمص بولديه اليوم , وبمرأة بدأت الشيخوخة المبكرة تطوف بها شيئا فشيئا ..

تلقت تلك المرأة قيمة تعويضا ماليا عن بيته المدمر هناك …

هنا حمص . وهنا سوريا ..

وبشر الصابرين , حتى بعد فوات الأوان “”

ومن ص (121) :

ترى من أنت ..؟

من تلك الحمامة البيضاء المتطايرة في سماء أحلامي الشفافة ..

أشتمك بلا شعور … وأكمل يومي بالقليل منك والكثير …

 رجال الإسعاف لا يداوون الجريح بالجرح ..

يا صغيرتي ..عندما كلمتك عن أناس أثقلوني بالكثير ..

قصدت أن لا تكوني ذاتهم …” ؟!

  لقد طرح الحكمة بأكثر من لهجة وتناص معرفي وتأريخ أنساني   …

مثال ص (115) :

حمص القصور , منزل أبو شعر

كان اليوم موعد عملته لزرع نقي العظام

و ما هي إلا إبرة محمتها الموت …

يوشع أصبح لم يعد كافيا لتحمل المزيد , ما تلك الحقنات وما تلك الجرعات , وما ذاك الصبر يا رجل ..؟

كوني رقيقة عليها يا حياة | الغبار الكثيف يضاجع الصمت | الهواء الطلق أصبح عاصفة |لا أجيد إلا الحياة  | أذهب إلى ضي خبيث ثم أنسى | أعانق البدر أشق البحر ثم أنسى | النسيان ذاك القمر المضيء في الظلام الأسود ليس إلا .. “

  لقد استطاع أن يعشِّق لغته بالمعاني الشاعرية ولكن جاوز في بعض الحين إلى شيء من العبثية والإضافات غير الواضحة بما يسمح له بإعادة القراءة إذا أراد للرواية طبعة ثانية ..

 تنسى هي معايشات الربيع الثامن عشر لخصها الكاتب بمقولة : “لاشك أن كل لوزة مكتئبة سيأكلها النمل ستقع متكئة على الأرض لتحيي بعدها المئات ..”

ونختم من مقدمة الكتاب هذا المقطع : “..رواية تنسى , تظن للوهلة الأولى أنّ ما ينسى هو المحبوبة التي لم تستطع الوصول إلى حالة انتمائية صحيحة لمحبوبها , وتفاجأ بأن كل الأوجاع ممكن أن ” تنسى ” حال تم الخلوص إلى وعي يستأنس الإنسان ولا يشيئه …”

هكذا يقدم الكاتب تجربته الفتية التي يعرف مؤداها على صغر والتي يجب أن تكون أمثولة لأقرانه من الشباب إذ أن الإبداع لا يرتبط بالمشيب بل بالجرأة على طرح الفكرة بأي نمط من فنون الإبداع …

لقد قدم الكاتب معانيه بطلاقة واستقرأنا فيها رائحة الذكاء والهذيان والتمرد … والقلق المصحوب بحب المعرفة

الكتاب رحلة في عوالم نموذج الثمانيات عشر ربيعا وبكل تراهاتها وألقها الفكري ينحو الأمل والخلاص المنشود عبر شيء اسمه حب لفتاة  اسمها مايا  ,هي بالنسبة له مابين الحقيقة والخيال وهو سر وجودها واستمرارها في حياته ..

والخيط الخفي إذ كل ما فك حرف  من شيفرتها فك ألف سرِّ من أبجدية الحياة التي يلهث خلف خيوط شمسها الأزلية وبجدلية الحقيقة المغفلة مابين عذرية مريم , وصبر أيوب , وأحلام يوسف .. ومثال ما قدمه في رسالة إلى الله .. فلسفة وجودية لتساؤلات أبدية بقلم شاب محتار …

  ونقتطف منها :”عندما كنت صغيرا تربيت على كابوس اسمه الله يحرق , يخنق , يقتل , يعذب بالنار ..

عليك أن تضع وصاله بأركانه الخمس حتى ينجيك من ألسنة ناره ..

ولدت على الرجفان الدائم خشية عقابه الشديد لا إيمانا به..

لو علمونا أن الله هو الحب , لما كثرت المراقد لما نما القرف  فينا .. “

أنها رواية تمثل يوميات إنسان يحب الحياة ويلهث خلف حقائقها , وهي سمة عامة إذ كل من يقرأ الكتاب سيجد نفسه في محطات توقف عندها المؤلف ليحيك القصص الحياتية معه في لحظات تأمل .. “

باسم رواية تنسى  للمؤلف محمد غفار شحادة

صادر عن دار ديموزي الطبعة الأولى 2018

                         اعداد:      رجائي صرصر