الشاعر وائل الحميد :في ” أوراق عارية على رصيف الخريف”

الشعر لغة القلب …

في ديوانه ” أوراق عارية على رصيف الخريف …” قدم الشاعر زبدة تجربته النابعة من هواية يتعايش معها منذ الصبا , وقد أوحى بذلك في العنوان , إذ أن الشاعر كان يقترف نزق التعبير من خبايا مشاعره للحياة والظروف من خلال الورق الذي يراه مرآة رفيقة بمشاعره إذ هي تتقبلها بحنو, لتكون الولادة تضمن أفراح وأشجان الشاعر وحكايات أبدع بتصويرها, وقد كون منه رسالة ذات خصوصية فيها من البوح ما جعله صلة وصل مع المتلقي الذي يشاركه في الرؤية ويبدع معه المشهدية الشعرية ..وقد أبتدئ كتابه بقصائد للوطن الحب الأسمى إذ يقول بقصيدة ” وكان النصر “:

ليتني كنت في محرابك معبدا |وكنت لدموع عينيك منديلا

شام يا كل الحب وعاتيه | أسعفني لأقول بالجميل جميلا

ويأبى الله بالعز سقما |  و تأبى المروءة بالغربة ذليلا

ومن قصيدة وطنية  “وحدك دمشق ”  يتطرق إلى المفترى به على سورية بحجة التكفير الذي ليس من شيمة هذه البلد الغراء بتاريخها العقائدي إذ يقول :

  هذي دمشق تنادي أنا النبوءة  | أنا آدم ومحمد والرسالة بأعمامي

هذي دمشق تنادي أنا السلام | والمسيح يجدل بالغار أطواقي …

هذي دمشق تنادي أنا العروبة | أنا صوت الحق الباقي

من تجليات الحكمة  التي جاءت بالقصائد العمودية نلمح إبداعا خاصا استطاع به أن يحاكي التراث بالبلاغة التي حملها الصور, من قصيدة ” تجليات ” :

فلا تلم  من كان بلا أصلٍ | ولا تلم لئيما عراه الكذب …

وهذا يا صاح لك نصحا | فخذه أو دعه للأيام ينتحب

الشاعر قدم الدرامية بشاعرية تبعث المعنى بذهن المتلقي الذي يجد فيها ظلالا لأفكاره وبعمق المغزى المنوط بها … قصيدة ” إلى ولدي ” :

لا تيئس | لا تحزن | ربما يفاجأك الفراق يوما | ربما يفاجئك رحيلي بشظية غدر |

أو رصاصة حاقدة ..لا تيئس  | إن لم تسمع صدى صوتي ذات صباح |

لا تيئس إن لم تصلك رسالتي ذات رحيلٍ | ففي كل راية نصر قصة حب وصرخة كرامة خالدة ..

ففي نموذج القصيدة النثرية أبدع في بث مشاعره بعفوية التعبيرية الحذقة سمت النثرية التي تتجرد من القيود لتبوح بالحقائق, وترصف السطور بالمعاني الواضحة وبجمالية خاصة ..:

 فمن قصيدة  “أتسأل “..:

أتسأل من سرق كيس الطحين | وسرق رغيف الخبز من تنور جدتي

وأحرق السنابل | وطعن بالتعب ظهر القمر … |وأطفئ ضياء نجمة سابحة في المدار

أتسأل من سرق هدوء الليل من أحضان أمي …

ومن بلاغة الحكمة التي ركز عليها ببنية القصيدة التي لابد لها من بداية وخاتمة  بكل قصيدة …:

ومن أردته عواصف سقم | ما واسه جاه وشفاه نسب

و ما عيونٌ في الأرض دفقت | إذ بالدمع  لم تروها السحب

  “التناص ” كان له الركن المهم بقصيدته “عذرا أحمد شوقي ” , التي أجاد بمقاربتها بما يعكس الظرف القائم لأزمة وطنه سورية ,فالجندي علمنا الفداء كما المعلم وأكثر :

قم لسورية وفها التبجيلا | كاد الجندي أن يكون رسولا

شام أنتٍ يا محراب عشق | يزهر في الفؤاد فصولا

وقد أجاد بهذه كأمير الشعراء , إذ أعطى من خلالها أبعادا فكرية وجمالية للوطن والجندي , ويتبدى هنا الإيقاع والنبرة التي تؤلف بين المقاطع بما يخدم بناء القصيدة كصور مترادفة ومفردات متناسقة ذات رتم يغذي المعنى ويعطيه أبعاده الجمالية وموسيقية وهي سمة الشعر الخاصة به

وكما تبدى لنا  فقد ضمن ديوانه بين القصيدة  “العمودية ” , و”التفعيلة ” , و”النثرية ”  ففي قصيدة “ثورة الشوق ” :

انتشري …ا نتفضي | ثوري كالدوامة في لجج البحور  تبعثري كزفات المطر

| في شتاء عمري الحزين المقهور |قولي أحبك كي يعاد تاريخي | وتكتب أمجادي |

وتنفض أيامي وساعاتي | ثوري كالإ عصار وأغرسي نصلك في شراييني  |

كي يحيا قلبٌ على أسوار بلدٍ مهجور | ثوري وأعيدي أمجاد الحب …

لتبدو موهبته ترصد الهدف وتوظفه ليكون الرسالة بينه وبين المتلقي , والكلام هو  ليس ما بدى  بل ما بين السطور .. لقد جعل للقراءة متعة السفر على أجنحة الخيال , الموثق بالتعبيرية الواقعية .. إذ الرمزية لم يكن لها النصيب الوافر بشعره وإن كانت لا بد منها .. ولم تأخذ الشاعر التقنية اللغوية لشعره عن الهدف , ولم يبتعد بالرموز ولم يسهب بالخيال لأنه صاحب رسالة وليس كلاما جميلا يرضي ,,,

قصيدة  “قلبي أعشق تفرده “

قلبي كم يهوى تفرده |فالظبي حان تصيده | إن كان غرامك ضيعني

قلت وفي شجن أعبده | خسئ الواشون أنا وائل |حسون يؤسر تمرده |

 وبقايا الحلم إن رحلت | والله إني سأجلده .. قصيدة “من الجاني ” ..:

قتلوك يا أميرتي | لكن لا لن تموتي | قتلوك وقتلوا القصيدة والدفاتر | قتلوا زهر الياسمين | جدران المنازل تبكي |الكلمات تبكي …

 لقد جاء الديوان من القطع المتوسط في 150 صفحة :بعنوان ” أوراق عارية على أرصفة الخريف ”  , صادرة عن  مؤسسة سوريانا للإنتاج الإعلامي قارئ مستهام بالجمال ليس إلا ..

                                                         رجائي صرصر