هل مجتمعات القوة حضارية وإنسانية ؟

يقول المؤرخ البريطاني ( تونبي ) : إن العالم قام بصفقة مقايضة ، فقد أغرت فنون الصناعة ضحايا و جعلتهم يسلمونها قياد أنفسهم . و ذلك ببيعها مصابيح جديدة لهم ، مقابل مصابيح قديمة ، لقد أغوتهم فباعوها أرواحهم و أخذوا منها السينما و الراديو و …. الخ فكانت نتيجة هذا الدمار الحضاري الذي سببته تلك الصفقة ، اقفرارا روحيا وصفه أفلاطون يوما بأنه مجتمع الخنازير …!)
ثمة أنا وثمة اّخر, و ثمة حوار لابد أن يقوم لنتعرف على كلينا بعدها لنصل إلى مبدأ الأخذ باحترام الرأي و الرأي الاّخر ، توالت مشاهد القوة لتغذو أيامنا مليئة بالعنف اللفظي و الدموي … و أصبح الداخل الإنساني مخيفا و هذا ما دعاني للرجوع إلى البحث عن مفهوم القوة و الذي وجدته يتجسد في أخلاق القوة التي تنافي الضعف و … الخ و لكن ما معنى أن نطبق مفهوم القوة و العنف لإلغاء حياة الاّخر دون أن يكون وراء ذلك قضية نبيلة . أعادتني هذه الفكرة إلى عالم فيلسوف القوة نيتشه الذي دعا إلى محاربة الأفكار التي تحارب الحياة و تطفئ وهج الروح و الجسد و حلم بظهور الإنسان الأعلى الذي يعري الحقائق البائدة ليصل إلى حقيقة واضحة بعيدة عن الوهم الذي اعتاده المجتمع و الوصايا التي توارثها و فرضت عليه فالحقيقة ليست خالدة فهي قابلة للتجديد و تخضع لمبدأ النسبية .
صحيح أن الفيلسوف نيتشه فيلسوف الشك الذي نقد الأفكار التي كانت تروج باسم الإله و التي كان يروجها رجال الكهنوت في أوروبا و يطلقونها ليستغلوا البشر . و لكنه لم يكن يعني محاربة الشرائع السماوية ، بل إلغاء أفكار القروسطية التي برزت في القرن التاسع عشر و ساد فيها الظلم و الاستعباد و الخرافة و الجهل.
إن الأفكار التي دعا نيتشه إلى تقويضها بقراءته تم تكريسها عبرالتاريخ حتى أصبحت مقدسة من قبل أناس حافظوا على وجودها لتحمي لهم وجودهم .
إذا الثورة على القيم البائدة و تهديم الأفكار البشرية التي كانت تتحدث باسم الإله و تمارس تحت شعار الدين لتنهج الظلم و الاستعباد هي ما دعا نيتشه إلى تجاوزه و اعتماد مبدأ القوة للوصول إلى الأفضل .
أخيرا يقول نيتشه : ( زئير الفضيلة يا بنات الصحراء أقوى ما ينبه أوروبا و يحفز بها إلى النهوض ، ها أنا ذا ابن أوروبا لا يسعني إلا الخشوع و الانتباه لدوي الاّيات البينات و قد توكلت على الله !!!)

الثورة