أصبح من الواضح الآن معرفة مؤشرات المخطط الجديد الذي تسعى الإدارة الأميركية إلى تطبيقه في المنطقة بعد استكمال انسحابها من أفغانستان، فقد أعلنت القيادة العسكرية الأميركية أنها ستحتفظ باستمرار وجود القوات التركية التي تتولى حماية مطار كابول في أفغانستان وبعدد من القوات الأميركية لحماية السفارة الأميركية وهذا ما جعل قيادة طالبان تعلن أمس عن رفضها لوجود القوات التركية وتتعهد بالقتال ضدها كقوات غزو واحتلال.
هذه السياسة اتبعت الولايات المتحدة جزءاً منها في العراق حين أجبرت المقاومة العراقية الولايات المتحدة على الانسحاب عام 2012 فأعلنت إدارة أوباما أنها ستحتفظ بعدد من القواعد والقوات لحماية البعثة الدبلوماسية الأميركية في العراق وظهر أن العدد تضمن آلافاً كثيرة.
يلاحظ كل من يتابع شؤون المنطقة أن أردوغان بدأ بعد عام 2012 بتبني سياسة تقديم الدعم الشامل لكل المجموعات المسلحة التي استهدفت سورية والعراق وليبيا ثم انتقل إلى القيام بعدوان عسكري مباشر بقواته نحو الأراضي العراقية والسورية واتخذ في شمال العراق وشمال سورية قواعد عسكرية يدعم بها داعش وغيره بحجة الوقوف إلى جانب ما يسمى المعارضة السورية ومحاربة المجموعات المسلحة الكردية.
أصبحت سياسته هذه كأنها جزء من التنافس على مواقع النفوذ والتوسع بين تركيا من جهة وبين دول أخرى مثل فرنسا وإيطاليا من جهة أخرى وبخاصة في ليبيا.
في مجمل هذه السياسة كان أردوغان على توافق عملي مع السياسة الأميركية ويخدم مصالحها في كل ما يقوم به ضد سورية بشكل خاص، وشكلت هذه السياسة عامل دعم له عندما انتهكت واشنطن سيادة الأراضي السورية وغزت ببعض وحداتها الأراضي السورية بحجة حماية مجموعات «قسد» المسلحة ومشروعها ضد سورية فأصبحت القاعدة العسكرية الأميركية في شمال شرق سورية قوة احتياطية لقوات أردوغان التي غزت شمال سورية، وبهذا الشكل أصبح الجيش السوري يواجه ثلاثة أطراف متفقة على استهداف سورية وتنتهك سيادتها وقوانينها هي القوات الأميركية والتركية ومجموعات «قسد» إضافة إلى مجموعات «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، وبالمقابل تحولت القوات الأميركية وقواعدها في العراق إلى أهداف للمقاومة العراقية وطالب البرلمان العراقي بانسحابها وبانسحاب القوات التركية وقواعدها من شمال العراق.
وإذا كانت الولايات المتحدة تجد في هذا الوقت أن من مصلحتها بعد الانسحاب من أفغانستان أن توافق حكومة أفغانستان وطالبان على بقاء القوات التركية في العاصمة كابول لحماية المطار فإنها ستجد المصلحة نفسها في إبقاء القواعد التركية العسكرية في العراق وسورية لكي يستخدمها أردوغان ضد التحالف السوري الإيراني الروسي وضد أي تقارب عراقي إيراني سوري وبهذه الطريقة قد يسهل على واشنطن اتخاذ قرار بسحب قواتها من سورية بعد أن تضمن توافقاً بين «قسد» وأردوغان لحماية مصالحها على غرار توافقها مع إقليم كردستان العراق فتخلف وراءها ورقة أردوغانية تمثل المصالح الأميركية.
لكن هذا الدور الأردوغاني لن يولد فقط حرباً هددت قيادة طالبان أمس بشنها على القوات التركية بعد الانسحاب الأميركي، بل سيولد حروباً أخرى على كل قوات تركية غزت العراق وسورية أيضاً سواء انسحبت القوات الأميركية أم لم تنسحب، لأن موضوع انتهاك أردوغان لسيادة العراق وسورية سيحتل أولوية في جدول عمل جميع أطراف محور المقاومة وبخاصة في هذه الأوقات التي أعلنت فيها إدارة بايدين عن خطة لسحب عدد من معداتها وقواتها من منطقة الشرق الأوسط لمصلحة زيادة حشد القوات أمام جبهة الصين التي تعد في أولوية جدول العمل السياسي والعسكري الأميركي العالمي.
يتوقع المختصون بالسياسة الأميركية أن تتجه المواضيع المختلف عليها بين واشنطن وموسكو في الشرق الأوسط نحو الجمود أو التوافق، لأن الاهتمام الأميركي يراد الآن توجيهه نحو دور الصين وروسيا في بقية القارة الآسيوية في بحر الصين وملفات مناطق اليابان والكوريتين وجزر الفيليبين.
وفي كل الأحوال سيجد أردوغان أن سياسة التدخل العسكري ضد جواره السوري والعراقي والإيراني ستصطدم بقدرات إقليمية متزايدة وبقدرات دولية لا تستطيع الدول الأوروبية تجاوز حساباتها لمصلحة مغامراته المتهورة.
الوطن السورية