تتضارب المصالح الدولية، بينما الشعب السوري مازال صامداً بكل مكوناته، فلا البئر التركي نبع سلاماً، ولا الانفصاليون الأكراد بنوا دولة، ولا الطرق الآمنة فُتحت لعودة اللاجئين، كل الاتفاقيات والتفاهمات بين جميع الجهات التي تصب اهتمامها على منطقة شرق الفرات، الأميركي، الروسي، التركي، الإيراني، قسد، كلها باءت بالفشل مما أرادوا من نتائج، ووحدهُ صمود الشعب السوري الذي أظهر براعة في التعامل مع فنون الحصار الظالم والجائر.. والذي كان ثمناً للمصالح المتناقضة في سوريا، وتحديداً في هذه المرحلة من الحرب في منطقة شرق الفرات. في الواقع بعد هذه الحرب، التي ستدخل عامها الحادي عشر بعد أيام، بات الجميع يدرك الغاية والهدف مما حصل في سوريا وعلى المستويات كافة، أما الحقيقه الراسخة فإن سوريا لم تضعف لا سياسياً ولاعسكرياً، رغم ثقل الظروف وتفاقم معاناة المدنيين في ظل اقتصاد مُستنزف نتيجة هذه الحرب القذرة، ذاق بسببها السوريون طعم كل أنواع أسلحة الإرهاب والحصار الاقتصادي والضغط السياسي. فإنني أقول أنا هنا اليوم في دمشق شاهدت كل شيء بأم العين، الطوابير على الأفران، ارتفاع الأسعار الجنوني للمواد الغذائية والأدوية، أزمة المحروقات والوقود وسط شتاء بارد اعتاد السوري أن يختزن في منزله مئات الليترات من الديزل الخاصة بالتدفئة، لكن النسبة الكبيرة لم تحصل على ليتر واحد، وقد اقتربنا من الربيع.. والعالم صامت، كل هذا ليس انتهاكاً لحقوق الإنسان وليس خرقاً للقانون الدولي، فالمنظمات الدولية تشاهد كيف يقتل البشر تحت مسميات أخلاقية يبتدعون الأكاذيب (أسلحة كيميائية وتمثيليات هزلية هزيلة كافية لتسويق وتمرير ما اتُفق عليه سرّاً لتدمير بلد آمن، وكأن محور النقاشات الدولية اليوم هو تشريع القتل!). فالقتل بالكيماوي محرّم بينما القتل البطيء بالتجويع والمرض أو حتى بقذائف الهاون هو فعل إنساني غايته نبيلة، قلوب أطفال صغيرة توقفت من شدة البرد، وكذلك رجال ونساء عُجّز.. أين إنسانيتكم؟ وهل العقوبات الاقتصادية عمل إنساني، أم إرهابي؟ هل تجويع الملايين لأهداف سياسية يصب في خانة الفعل الأخلاقي؟ لا يختلف أصحاب الضمائر في الكرة الأرضية قاطبة على أن هذه العقوبات ليست ظالمة وحسب، بل هي انتهاك سافر لأبسط حقوق الإنسان.. بل وترقى إلى مستوى الجريمة، خاصة أن العالم برمته مازال تحت وطأة «كورونا» وتداعياتها.. فكيف الحال بهذا السوري الأسطوري في كل شيء: حصار، فقر، حرب، كورونا، وما زال يعمل ويدرس (وبالمجان)، ويقاوم في جولات مختلفة من الكفاح اليومي.. ولكن الأيام والأشهر القادمة ستكون حكماً حافلة بالمفاجآت، وكل المؤشرات السياسية في الفرات تحديداً، حيث كلمة السر مدفونة هناك، وجميع الأطراف تبحث، ولكن الجميع بات يدرك أن شرق الفرات منطقة سورية ولا خيار أمام الجميع إلا الحضن السوري.
القبس الكويتية – فخري هاشم السيد رجب