لم يترك الشاعر رفعت بدران باباً للتجديد وللتجريب لم يطرقه مع ثالث مجموعاته الشعرية الصادرة حديثا بعنوان “أسرجت خيول الحلم” ولا سيما على صعيد بنيان وهيكل القصيدة لديه.
ولا نقصد بالتجريب هنا الطابع الحداثوي المتحرر من أي ضوابط بل هو ذلك التغيير المستمر لما هو مألوف في شكل الشعر المعاصر فنجد بهذه المجموعة قصيدة مطولة متنوعة القوافي والتفعيلات وفي أخرى قصيدة قصيرة جداً وفي ثالثة نصاً عمودياً من ثلاثة أبيات بقواف مختلفة وأيضاً نجد خاطرة وجدانية فضلاً عن قصائد كلاسيكية من شعر الشطرين وأخرى تعارض قصائد شعراء سابقين.
ويعلن بدران منذ الصفحة الأولى للمجموعة انتماءه للشعر القديم والأصيل فهو يفتتحها ببيت مشهور لا يعرف قائله والذي يقول “كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ.. والماء فوق ظهورها محمول” ثم تأتي قصيدته الطويلة “في هدأة هذا الليل” ذات المعاني الشفيفة الحالمة ليروي الشاعر خلالها حيرته بين نزعته الفلسفية المتمردة وتوقه الصوفي فيقول:
“في هدأة هذا الليل الغارق
في التوق الصوفي إلى المطلق
كان الفقراء نياما
وعلى أجسادهم الرثة
أسرجت خيول الحلم
إلى أفق أزرق أزرق”.
ويخصص بدران عدداً من قصائده لشخصيات عربية تاريخية من امرىء القيس والخنساء وأسمهان فهو هنا لا يرثيها بقدر ما يتركها تحكي قصتها كما يراها هو أو يبوح برؤيته عنها.
وفي الخاطرة الوجدانية التي كتبها بدران بالمجموعة تحت عنوان “حوار مع ملاك الموت” يقدم أسئلة صادمة يتعذر الجواب عنها ولكنها تترنح بدورها ما بين الصوفية والعدمية.
ويتنفس البعد الجمالي عند بدران الصعداء عندما يكتب الغزل فهو يبتعد هنا عن الوجودية وحيرتها ليصب كلماته حول كيان الحبيبة فيزيدها جمالاً وشغفاً كما في قصيدته “سياج الوجد”:
“لو أنني لم ابتعد
لشغلت عنك
بما لديك
من المحاسن..
والمفاتن والرغد”.
ويستعرض الشاعر قدراته في كتابة الشعر العمودي الرصين في عدة قصائد من التي يخاطب فيها الشاعر القس جوزيف إيليا وأخرى بعنوان “وجيف الروح” و”نجمة الصبح” وفي كلها جميعا حفاظ على لغة شعر الشطرين وطرائقه في سبك الألفاظ وصياغة المعنى.
ويعارض الشاعر بدران في قصيدة “وعد” قصيدة دوقلة المنبجي الشهيرة مبيناً أن دافعه لذلك ملاحظته ابتعاد معظم الشعراء العرب المعاصرين عن الصورة الحسية المباشرة ولجوءهم للصور غير المباشرة والرمزية تأثراً بالغرب فأراد عبر هذه القصيدة استخدام صور حسية مباشرة بشكل مكثف ومنها هذه الأبيات:
“ماذا سأذكر من محاسنها
رفع اليراع وجفت البرد
فالوجه أجمل ما يكون فما
لجماله أو سحره حد”.
تقع المجموعة في 135 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب أما الشاعر بدران فهو من مواليد دمشق 1969 عضو في جمعية الشعر باتحاد الكتاب العرب تخرج في كلية الحقوق بجامعة دمشق سنة 1992 ويعمل محامياً صدرت له مجموعتان شعريتان وحصل على عدة جوائز شعرية.
سانا