يسخر الظرفاء الروس من كورونا ويتفنون في التنكيت من قبيل: الأغنياء يقتنون الأوراق المالية والفقراء ورق تواليت!
ومع أن الهلع ينتاب كل الأمم من تفشي الفيروس القاتل، إلا أن الشارع الروسي يبدو هادئا، ولا توجد مظاهر خوف واضحة، رغم تزايد أعداد المصابين. فقلما تجد في الأماكن العامة مقنعين بالكمامات.
بل إن عطلة الأسبوع عن العمل التي قررها الكرملين للحجر في البيوت، انتهزها الناس وحجزوا فنادق في المنتجعات مثل سوتشي جنوب روسيا، وشبه جزيرة القرم، الأمر الذي دفع بسلطات المنطقتين، إلى الطلب من شركات السياحة إلغاء الحجوزات لأنهم لا يرغبون في تدفق زوار ثقلاء في زمن كورونا.
أما سلطات ضواحي موسكو، فقد اشتكت من اندفاع عشرات الألوف بسياراتهم نحو البيوت الريفية وكأنهم في إجازة الصيف، وليس في الحجر!
وطالب محافظو الضواحي السلطة المركزية بتشديد الإجراءات متخوفين من احتمال تفشي العدوى، والنقص في المرافق الصحية في أطراف العاصمة لاستقبال المصابين.
ينسجم الروس مع أنفسهم في عدم التطير من الوباء، وفق مبدأ المبلل بالماء لا يخاف المطر!
عقود ودهور طويلة من النكبات والحروب والحصارات والمجاعات والأوبئة اجتاحت روسيا منذ القدم وحتى وقت ليس بعيد.
وربما اكتسب الروس مناعة فطرية، يتندر الظرفاء أنها امتزجت مع الجينات!
بيد أن قطاعا ليس بالقليل، يمثله بشكل خاص المسيحيون الأرثوذكس المتدينون، ينذر بالويل، والثبور من كورونا، ليس لأنه وباء معد قد يقتل من يخترق رئتيه، وأنما لأنهم يرون في الهستيريا العالمية مؤامرة ” الحكومة السرية” وعلامة على ظهور المسيح الدجال.
وتحفل المواقع الإلكترونية للمتدينين وبعض التيارات القومية الراديكالية بمقالات تتنبأ بقيام نظام عالمي جديد، يقوده “الأعور الدجال” بأنفه المعقوف والذي سيفرض على البشرية قوانينه، وعملته الجديدة ويبصم كل فرد بصرف النظر عن العرق والجنس ببصمة وراثية عن طريق اللقاح الذي تحضره المختبرات السرية.
وعن طريق تلك البصمة يمكن للأعور الدجال المراقبة والتحكم بتصرفات البشر جميعا. هكذا!
ويجتهد الحنابلة الأرثوذكس في تفسير أقوال تنسب إلى السيد المسيح أنذر أتباعه بين ثناياها من هذا اليوم!
ويستند منظرو يوم القيامة في ثبورهم من حملة كورونا العالمية الى أن الحكومات، بلا استثناء، تتفق على إجراءات متشابهة، حظر التجوال وإغلاق المدن ومنع السفر والحجر على الناس في البيوت.
ويأتي قرار الكنائس بمنع القداديس وإقامة الشعائر، دليلا آخر على أن الأعور قادم!
ويعتبر الحنابلة الأرثوذكس منع سر التناول من ملعقة واحدة بعد الاعتراف أثناء القداس، هرطقة لأن استخدام ملاعق بلاستيكية لمرة واحدة يعني كفرا بقدرة الملعقة الكنسية في مقاومة الأمراض.
ويقولون حتى في أزمنة الجذام والطاعون كانت المناولة بملعقة واحدة، ليتبارك المؤمنون بدم المسيح بحثا عن شفاء الروح وطهارة الجسد.
وبشكل عام فإن الحنابلة الأرثوذكس أداروا ظهورهم للكنيسة الروسية، بعد الزيارة التي وصفت بالتاريخية التي قام بها البطريرك كيريل في فبراير 2016 إلى الفاتيكان.
ودعا خلالها البابا فرنسيس، وبطريرك الأرثوذكس الروس إلى استعادة الوحدة المسيحية لإنقاذ المسيحيين الذين يواجهون تهديدا بسبب العنف في الشرق الأوسط.
ويرى الحنابلة الأرثوذكس الروس في الزيارة خضوعا للكنيسة الكاثوليكية التي لا يعترفون بمسيحيتها ولا بدورها الروحي في العالم، بل يغمزون في قناة أن المذهب الكاثوليكي فرقة “رافضة” تصلب السيد المسيح كل يوم وتعلقه اعلانا تجاريا!
الحديث يطول عن الصراع بين الكنائس الأرثوذكسية في العالم مع الفاتيكان، لكن حنابلة روسيا المحافظين يجعلون منه حربا على الفاتيكان بكل تجلياته ومؤسساته.
ويولولون من قرار إلغاء الاحتفال بعيد الفصح في الكنائس يوم 15 أبريل القادم، وفقا لتقويم الكنيسة الشرقية، ويؤكدون أنها بداية العد التنازلي لقيام حكومة الأعور الدجال، وإن كل الإجراءات المتخذة بشتى دول العالم إنما هي تحضير لظهور المسيح الدجال.
ومع أن غالبية القساوسة الأرثوذكس في عموم روسيا، تؤيد حظر القداديس انسجاما مع راعي الكنيسة كيريل، وفق قاعدة أطيعوا أولو الأمر فيكم، إلا أن معارضي الوحدة بين “المسيحية الحقة” وبين الفاتيكان، يدقون جرس الإنذار من اقتراب “الحاقة” ويذرفون الدموع سخية على نهاية العالم كما أراده السيد المسيح.
وتحفل مواقع التواصل، بمئات المقالات التي تفصّل في خطط، ونوايا “الحكومة العالمية” التي ستقتل نصف البشرية وتدمغ النصف الآخر ببصمة لتحولهم إلى قطيع يتحرك ويعيش وفق مشيئة الحاكم بأمره.
المفارقة أن حنابلة روسيا لا يذكرون عنوانا للحاكم بأمره، وأين يقع مقر إقامته!
ليس في أمريكا ولا في أوروبا، بل إن قادة الغرب برأيهم، مجرد بيادق في التحضيرات القائمة على قدم وساق كورونا لظهور الدجال.
لكن الملامح التي يرسمها المنظرون، وبوصلة الاتجاه تميل نحو الأسرتين الشهيرتين روكفلر وروتشيلد.
وللروس تراث أدبي سياسي ديني ضخم، بآلاف الصفحات في هجائهم!
سلام مسافر – روسيا اليوم
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب