واصل الجيش السوري تقدّمه في محافظة إدلب، قاطعاً خطوات إضافية تمهّد لعزل ريف حماة الشمالي عن ريف إدلب الجنوبي. تطورات تفتح الباب أمام فرض واقع جديد، سياسي كما عسكري، في وقت انطلقت فيه بالفعل حملة «تخوين» شديدة ضدّ «هيئة تحرير الشام» تتّهمها بـ«تسليم المناطق»
دقّ الجيش السوري، أمس، أبواب مدينة خان شيخون (ريف إدلب الجنوبي)، التي تُعدّ واحدة من أبرز المدن الخارجة عن سيطرة الدولة السورية منذ سنوات طويلة. تقدّم الجيش جاء انطلاقاً من الخاصرة الغربية للمدينة (تل عاس)، فيما تتواصل العمليات العسكرية في الجهة الشرقية المقابلة (سكيك). وتحظى المدينة بأهمية استثنائية، نظراً إلى ما تتيحه السيطرة عليها من تأثيرات بالغة الأهمية، على المسارين العسكري والسياسي.
في لغة الميدان، سيكون من شأن نجاح الجيش في استعادة المدينة، حال تحققه، أن يمهّد لفرض واقع عسكري جديد في ريفي إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي. فإضافة إلى الخصوصية الرمزية للمدينة، وما يعنيه انتقال مركز ثقل بحجمها من كفّة المجموعات المسلحة إلى كفّة الجيش السوري من اهتزاز لموازين القوى، تبرز أيضاً أهمية استراتيجية كبرى في حسابات الخرائط العسكرية الراهنة والمستقبلية، إذ يتيح موقعها التمهيد لإحكام طوق يعزل منطقة سيطرة المجموعات المسلحة في ريف حماة الشمالي (مورك، اللطامنة، كفر زيتا) عن خطوط الإمداد التي كانت مفتوحة من إدلب. وإذا ما قُيّض لخطط السيطرة على خان شيخون النجاح (كما توحي المؤشرات)، سيتطلّب إحكام الطوق المذكور وصل مناطق سيطرة الجيش في المدينة الاستراتيجية بمقابلها في المحور الشرقي (سكيك)، علماً بأن المسافة الفاصلة بين النقطتين لا تزيد على 10 كلم.
وفي الوقت عينه، تتيح التطورات المذكورة قطع خطوة بالغة الأهمية على طريق إعادة إحياء الأوتوستراد الدولي M5 (حلب ـــ دمشق). وهو تطور يحظى برصيد مهم في المسار السياسي، إذ يعني في ما يعنيه البدء بتطبيق مُخرجات مسار «أستانا» التي نصّت على فتح الأوتوستراد المذكور، إضافة إلى الأوتوستراد الدولي M4 (حلب ـــ اللاذقية). وتشكل خان شيخون واحدة من ثلاث نقاط سيطرة بالغة الأهمية على هذا الصعيد، تُضاف إليها مدينة معرّة النعمان (التي قد تكون وجهة أساسية للجيش في العمليات المقبلة)، ومدينة سراقب. ويبدو جديراً بالانتباه أن اكتمال الخطط السورية على النحو المذكور يعني أيضاً عزل نقطة المراقبة التركية في مورك عن محيطها، وتفريغ وجودها من معانيه. وسواء أدّى ذلك إلى تفكيك النقطة، أو بقائها في محيط يُسيطر عليه الجيش، فإنه يشكل تحولاً بالغ الدلالات. وقد بدا لافتاً، في هذا الإطار، غياب المواقف التركية الصارمة، سواءً في شأن العمليات برمتها، أم في ما يتعلق بالنقطة التركية. وفيما يعزو بعض القراءات الصمت التركي إلى «العجز عن مجابهة الرغبات الروسية»، تضع قراءات أخرى الأمر في خانة «الرضى التركي»، بفضل التوافقات التي أُبرمت أخيراً مع الولايات المتحدة في شأن «المنطقة الآمنة». ووفقاً لهذه القراءة، يحافظ المساران على تلازم واضح، على رغم عدم علانيته، ما يجعل أي تقدم لمصلحة أنقرة في الشمال مفتاحاً لانكسار جديد تُمنى به المجموعات المسلّحة في «جيب إدلب».
حفلت منابر «الجهاديين» باتهامات مباشرة لـ«تحرير الشام» بالتواطؤ «ضد الثورة»
لا تخرج التعليقات السورية على ما سبق عن المعهود، إذ يؤكد مصدر عسكري بارز لـ«الأخبار» أن «تحرير الأراضي هو النتيجة الحتمية، من دون حاجة إلى انتظار مواقف أنقرة أو غيرها». ويضيف المصدر أن «الأمر ينطبق على كل المناطق، في إدلب وغيرها، والأمر رهنٌ فقط بقرارات القيادة وتقديراتها». في المقابل، تُحجم مصادر المجموعات المسلحة، بمختلف انتماءاتها، عن اتهام أنقرة، وتكتفي بتوجيه الاتهامات إلى «هيئة تحرير الشام/ النصرة». ويقول مصدر محسوب على «الجبهة الوطنية للتحرير» إن «علامات استفهام كثيرة تفرض نفسها لدى الحديث عن الأداء العسكري لتحرير الشام»، مستدركاً بأن «الأولوية في الوقت الراهن تنصبّ على إعادة الأمور إلى نصابها على مختلف الجبهات، وهذا أمر ممكن الحدوث اليوم كما حدث سابقاً، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث».
وخلافاً لمواقف المصادر غير «الجهادية»، جاءت مواقف «الجهاديين» شديدة الوضوح والمباشرة. وحفلت صفحات هؤلاء على موقع «تويتر» وقنواتهم على «تلغرام» باتهامات حادّة ومباشرة لـ«تحرير الشام» بالتواطؤ «ضد الثورة». وقال الكويتي، علي العرجاني (أبو حسن الكويتي)، إن «معظم المناطق التي سقطت إلى الآن هي محاور الهيئة (تحرير الشام)؛ الهبيط و الجيسات والصخر و سكيك، كلها نقاط الهيئة». العرجاني، وهو «شرعي» سابق في «جبهة النصرة»، أكد لـ«الأخبار» أن كلامه يعني تحميل مسؤولية الهزائم لـ«تحرير الشام»، وأجاب رداً على سؤال في هذا الشأن: «نعم، وقد ذكرت قبلها أموراً تبيّن هذه الحقيقة». وأضاف الشرعي السابق أن «الهيئة مشروع هدم للثورة. منذ بداية تشكيلها والثورة في سقوط». كذلك، حمّل العرجاني «تحرير الشام» المسؤولية عن «ارتهان الثورة لقرارات دول»، إلى حدّ «خروج الحل اليوم من يد الثورة، ليصبح في يد الدول». وفي ما يبدو استشعاراً للتطورات المتوقعة، لفت المصدر إلى أن «الثوار من أبناء المناطق يبذلون كل جهدهم، وقدموا بطولات عظيمة، لكن المعركة والمؤامرة كبيرة». كذلك حرص العرجاني في الوقت نفسه على ترك نافذة لـ«التفاؤل»، قائلاً إن «الساحة فيها تقلبات، وقد يُحدث الله أمراً من عنده». وبدا لافتاً، أيضاً، أن «شرعيّ النصرة» السابق أحجم بدوره عن مهاجمة أنقرة، إذ رأى لدى سؤاله عن «حقيقة تواطؤ أنقرة» أن «الهمّ الأول والأكبر لتركيا أمنها القومي وتأمين المنطقة الآمنة. وهي لا تستطيع مواجهة دول، وإدخال نفسها في حرب لا طاقة لها بها».
إلى ذلك، انطلقت، أمس، حملات مكثّفة تسعى إلى «جمع التبرعات»، وتحديداً لـ«جيش العزّة» (وثيق الصلة بالأميركيين)، و«غرفة عمليات الفتح المبين». وانخرط في الحملة عدد من «الشرعيين» البارزين، إضافة إلى ناشطين وإعلاميين. وقال مصدر «شرعي» مُشارك في الحملة إنها «تهدف إلى توفير الدعم اللازم لتمكين الفصائل من الدفاع عن المناطق المحررة، من دون الخضوع لأهواء تحرير الشام وغيرها».
صهيب عنجريني – الأخبار اللبنانية