في مثل هذا اليوم منذ خمسة أعوام صدرت أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لرئاسة الأركان في وزارة الدفاع الروسية بالقضاء على الجماعات الإرهابية في سوريا.
كانت تلك الجماعات التي يتزعمها تنظيم داعش الإرهابي، وحتى ذلك الحين، تتوسع على الأراضي السورية على نحو متسارع، بدعم لوجيستي ومادي وأيديولوجي خارجي من قبل دول وأجهزة أمنية، وضعت على أولويات أجندتها التخلص من النظام السوري وقيادته بأي ثمن، حتى ولو تسبب ذلك في تدمير جميع المدن السورية، وإبادة نصف الشعب السوري.
كانت النتيجة بسط تنظيم داعش لسيطرته على كامل الأراضي السورية، وحصوله على معظم عتاد وسلاح وبعض أفراد الجيش العربي السوري، وإعلان ما سمي بـ “الدولة الإسلامية”، التي كان من بين أهدافها التمدد إلى الأردن ولبنان، بعد أن بسطت نفوذها على سوريا وأجزاء من العراق. وربما كانت تهدف إلى ما هو أبعد من ذلك، بالهيمنة على العالم، ورغبة من داعش في “نشر الدين الإسلامي” وفقا لرؤيته التي تتضمن تطبيق “شريعته الإسلامية” على كافة الأراضي الواقعة تحت سيطرته، بصرف النظر عن الديانة أو العرق أو القومية، بما يعنيه ذلك من إقامة الحدود، وقطع الأعضاء والرقاب، وتنفيذ عمليات نحر وقتل وتنكيل بالجثث وحرق وتفجير وتدمير على مرأى ومسمع من العالم بأسره، أمام كاميرات الفيديو، وبجودة فائقة، وإخراج محترف. بل وأقدم التنظيم على تدمير مجموعة هائلة من الآثار في تدمر وغيرها، والتي لا تنتمي إلى سوريا بقدر انتمائها للتراث البشري العام، علاوة على ما تم تهريبه وبيعه في الأسواق السوداء حول العالم من تحف وآثار قد لا تعود أبدا.
بدأت القوات الفضائية الروسية عمليتها العسكرية في القضاء على الجماعات الإرهابية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة ووسائل الاتصالات والتكنولوجيا المتقدمة، التي كانت توفر لها معلومات استطلاعية من خلال الأقمار الصناعية الغربية عن مواقع تمركز وتحركات قطاعات الجيش العربي السوري، بإشراف غير مباشر من البنتاغون. تم التجهيز لهذه العمليات على نحو سري وسريع للغاية، بعد أن تقدمت القيادة الشرعية للجمهورية العربية السورية بطلب رسمي إلى روسيا للدعم العسكري في ظروف صعبة للغاية، إذ كانت دمشق وقتها تقع تحت حصار شبه كامل، وتفصلها عدة أيام فقط عن معركة مصيرية كان من الممكن أن تدمر دمشق بالكامل، وتقتل نصف سكانها، إضافة إلى سكان ضواحي المدينة، ممن أصبحوا فعليا رهائن لدى الإرهابيين، يستخدمونهم كدروع بشرية.
أرسلت روسيا نخبتها العسكرية المدربة من القوات الخاصة، لتفادي الخسائر البشرية بين المدنيين أثناء عملية القضاء على الإرهابيين على كافة الأراضي السورية، وبالفعل بدأت العملية، وتمكنت القوات الروسية بمشاركة الجيش العربي السوري، وبتنسيق كامل بين مركز العمليات العسكرية الروسي في سوريا والأركان العامة السورية، وتم إنقاذ العاصمة السورية دمشق من براثن الإرهاب، وفك أسر مئات الآلاف من المواطنين السوريين، وتصفية أكثر من 130 ألف إرهابي ومقاتل أجنبي من جميع أنحاء العالم، في معارك شاهدها الجميع على شاشات التلفزيون ومن خلال وكالات الأنباء العالمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
كان من نتيجة العملية العسكرية ظهور مسار أستانا الذي تشارك فيه الدول الضامنة: روسيا وتركيا وإيران، والذي بفضله تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار على كامل الأراضي السورية، وإعلان أربع مناطق للتهدئة، والعمل على تسويات مقبولة للمسلحين من السوريين، ممن سلموا سلاحهم، أو نقل من رفض تسليم السلاح إلى إدلب مع عائلاتهم، تمهيدا لتسوية أوضاعهم لاحقا. وكان السبب وراء تعقيد وتشابك وصعوبة هذه العملية هو الأولوية القصوى لدى القوات في تفادي وقوع ضحايا من المدنيين، سواء من الحاضنة الشعبية للإرهاب من نساء وأطفال وعجائز، أو من السوريين ممن وقعوا دون ذنب أسرى لسيطرة داعش وسائر التنظيمات الإرهابية على المدن السورية.
وعودة إلى العملية العسكرية الروسية في سوريا بمناسبة مرور خمس سنوات على انطلاقها، أود الرد هنا على ما يتم تداوله من افتراءات ، بدعوى أن روسيا “حولت سوريا إلى حقل تجارب لأسلحتها الحديثة، لتختبرها على الشعب السوري”، بل ويستند من يطلق هذه الافتراءات إلى تصريحات للقادة الروس، بأن الجيش الروسي “اكتسب خبرة قتالية عملية على الساحة السورية، من خلال اختبار الكثير من الأسلحة، وهو ما يسهم في تعزيز القدرات القتالية للجنود والضباط الروس”.
أقول توضيحا إن كثيرا من مناورات التدريب والاختبارات للأسلحة الحديثة بالفعل نُقلت من الأراضي الروسية إلى سوريا، وتحولت من مناورات تدريبية إلى عمليات قتالية حقيقية على الأرض، لكن الهدف منها كان القضاء على الإرهابيين بدقة شديدة لتفادي وقوع أي خسائر بين المدنيين، وأكرر “أي خسائر” وليس “أقل خسائر”، وقد تحقق الهدف من تلك العمليات على أكمل وجه، وأمكن للجيش الروسي الجمع ما بين تنفيذ هذه المهام الدقيقة والمعقدة، وبين التخفيف من الأعباء المادية المخطط لها بالأساس لتغطية نفقات المناورات التقليدية، التي تدخل في إطار برنامج تدريب الجيش الروسي، لرفع قدراته القتالية، وهو ما أشار إليه القادة الروس في حديثهم عن رفع المهارات القتالية وتعزيز قدرات الجنود والضباط الروس من خلال عمليات قتالية حقيقة على الأراضي السورية.
لكن الأهم من ذلك، هو الجهود السياسية المكثفة التي رافقت العملية العسكرية في سوريا، والمساعدات الإنسانية التي قدمتها روسيا لمساعدة السوريين على كافة المستويات لتجاوز أزماتهم الداخلية.
ختاما، وبمناسبة مرور خمس سنوات على بدء العملية العسكرية الروسية السورية المشتركة، نعزي أسر جميع الضباط والجنود الروس، ممن استشهد ابناؤهم وأحبتهم على التراب السوري، بينما يقومون بأسمى المهام ليس فقط دفاعا عن سوريا والشعب السوري، وإنما من أجل خلاص البشرية من كابوس الإرهاب الدولي الجاثم على أرواحنا جميعا، ومن أجل حماية الأمن القومي الروسي.
العزاء والمواساة لكل السوريين ممن فقدوا أحبتهم وأعزاءهم في معركة المصير من أجل الشعب السوري العظيم، وحفاظا على السيادة ووحدة الأراضي السورية.
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب