مقالة للكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر في صحيفة زافترا الروسية حول التطورات المتسارعة في إدلب .
يقول الكاتب:… هاتفني دبلوماسي عربي يعمل في موسكو، وقال لي إن روسيا قد بدأت، على ما يبدو، في توجيه تهديدات لتركيا، فسألته مستغربا: “من أين أتيت بهذه المعلومة أو الاستنتاج؟”.
فكانت إجابته أن أحد البرلمانيين الروس قد صرح بأن أردوغان “سيدفع الثمن غاليا نظير سياسته وإرساله الجيش التركي إلى إدلب”.
كان ردي، أنني لا أرى في تصريح البرلماني أي تهديد روسي لتركيا، حتى لو تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، وأعتقد من وجهة نظري المتواضعة أن البرلماني الروسي لا يمتلك الخبرة السياسية الكافية، وهو السبب في إدلائه بتصريحات غير مسؤولة تحمل هذا المضمون. أكّدت للدبلوماسي العربي أن روسيا لا يمكن أن تهدّد تركيا، وأن هناك تنسيقا مستمرا بين المختصين العسكريين والأمنيين والدبلوماسيين الروس والأتراك، كما أن العلاقات الثنائية بين البلدين متينة في كافة المجالات، ولا يمكن أن يحدث صدام عسكري بينهما، بل وأكثر من ذلك، فإن تركيا الآن في خندق واحد مع روسيا في محاربة الإرهاب الدولي، وشريكة لروسيا وإيران في “مجموعة أستانا”.
بعد هذه المكالمة الهاتفية، ومراجعة العديد من الاتصالات والرسائل والبرقيات التي تصلني، قرّرت الإجابة على أهم ما يدور في محتواها، وألخّص ما ورد فيها على النحو التالي:
يتساءل كثير من الروس عن جدوى إرسال قوات روسية إلى سوريا، والهدف من خوض حرب خارج البلاد، بينما يتساءل البعض الآخر، وخاصة من العرب والأجانب، عن السر وراء دعم روسيا للنظام في دمشق، في الوقت الذي تريد فيه غالبية الشعب السوري تغيير النظام الحالي في دمشق.
لقد مضى تسع سنوات على اندلاع الأزمة السورية، ولا زالت هذه الأسئلة مطروحة على الساحة، بينما يزداد الاهتمام بالبحث عن إجاباتها وتقييم الخطوات والسياسات والإجراءات التي اتخذت بصدد التعامل معها، كلما طال أمد الأزمة.
فأمّا بالنسبة للتساؤلات بخصوص ضرورة إرسال القوات الجوية الفضائية التابعة للجيش الروسي إلى سوريا، وأهمية إنشاء قاعدة حميميم الجوية، فإن الإجابة هي نعم، كان ذلك شديد الأهمية، لأن الأمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، في وقت يسعى فيه الإرهابيون إلى تكثيف وتوسيع العمليات الإرهابية في روسيا. علينا ألا ننسى بهذا الصدد العمليات الإرهابية التي وقعت داخل روسيا، ومن بينها حصار مدرسة بيسلان بأوسيتيا الشمالية، واحتجاز رهائن مسرح “نورد أوست”، وتفجيرات المترو في مناطق أخرى في روسيا، بالإضافة إلى مئات العمليات الإرهابية التي أحبطت كنتيجة لأنشطة أجهزة الأمن الروسية، التي رافقتها العمليات العسكرية للقوات الجوية الفضائية الروسية في سوريا، والتي تم بفضلها تصفية آلاف الإرهابيين، ممن كان من المخطط إرسال مجموعات كبيرة منهم إلى روسيا. ولا يسعني بهذه المناسبة إلا أن أذكّر بواقعة إرسال الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، زهاء جيش كامل لأفغانستان، لمحاربة تنظيم القاعدة الإرهابي، ولا زالت هذه القوات موجودة حتى يومنا هذا هناك، وخسرت الولايات المتحدة ما يقرب من 3 آلاف عسكري أمريكي في هذه الحرب، واليوم لم يعد مصير بقاء تلك القوات في أفغانستان واضحاً، في الوقت الذي أصبحت فيه الولايات المتحدة الأمريكية تتحاور مع طالبان. روسيا بدورها تضطلع بمهمة القضاء على تنظيم إرهابي جديد خرج من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي، هو داعش وحلفائها، الذين خططوا لعمليات في روسيا، وتضمر عناصرها وأدبياتها لروسيا العداء. والدلائل المادية على تخطيط عمليات إرهابية في مختلف المدن الروسية كثيرة، بمعنى أن مهمة روسيا في سوريا لا تقتصر على مساعدة سوريا فحسب، ولكنه قرار يرتبط ارتباطاً مباشراً بالدفاع عن الأمن القومي الروسي.
علينا أيضاً ألا ننسى، أن الساحل السوري يضمّ أهم قاعدة بحرية روسية تطل على البحر الأبيض المتوسط، وهي قاعدة طرطوس، التي تستخدم لتزويد سفن الأسطول البحري الروسي بكل ما يحتاجه، فضلاً عن وجود اتفاقية للتعاون العسكري الروسي السوري، بينما ساهم الاتحاد السوفيتي، وبعده روسيا في توفير كل ما يحتاجه الجيش السوري من عتاد وتدريب ودعم. يجدر بالذكر أيضاً، بأنه إلى جانب التعاون العسكري، فإن لروسيا الفضل الكبير في المساهمة ببناء أهم المشاريع الاقتصادية والحيوية في سوريا، أهمها محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومشاريع الري لتطوير مجال الزراعة وغيرها من المجالات الأخرى. بالإضافة إلى تأهيل آلاف المتخصصين في شتى المجالات، ممن تخرجوا من الجامعات والمعاهد الروسية.
وأمّا بالنسبة للتساؤل بشأن إصرار روسيا على دعم ومساندة النظام في دمشق، في وقت توجد فيه معارضة كبيرة من الشعب السوري، تريد تغيير النظام، أقول إن روسيا تتعامل مع الدول في إطار القانون الدولي، حيث الحكومة السورية هي الجهة الوحيدة التي تمثل شرعية السيادة السورية، وليست روسيا من حدد ذلك، وإنما حددته قوانين الأمم المتحدة. وهنا أريد أن أوضح للكثير من ممثلي المعارضة السورية، وبعض أجهزة الدول التي تدعمهم وتساندهم، أن دعم الحكومة السورية، والالتزام بالاتفاقيات والتعاون معها، لا يعني وقوف روسيا ضد إرادة الشعب السوري في تغيير النظام، حيث يحاول البعض تصوير الأمر، وكأن موسكو هي العائق لسقوط النظام، الذي كان على وشك السقوط منذ خمس سنوات، لولا الدعم الروسي.
وهنا أريد أن أسأل هؤلاء المعارضين: أين كانوا طيلة 40 عاما من حكم نفس هذا النظام؟ ولا أطرح هذا التساؤل شماتةً فيهم، ولا دفاعاً عن النظام، بل لتوضيح أن الوضع في سوريا أعقد بكثير مما يتصورون، وأن الأزمة السورية هي قضية سورية بحتة، لا يمكن حلها سوى بالسوريين أنفسهم. ولأكون أكثر صراحة، فإنه لولا تدخل روسيا في الوقت المناسب، يعلم الله ماذا كان من الممكن أن يحدث في سوريا، لكن أقل التوقعات كانت تشير إلى حرب أهلية واسعة، إضافة إلى احتمال سيطرة داعش، وتدمير كل ما تبقى من المدن السورية.
لقد استمعت إلى مواقف غريبة من بعض الشخصيات المعارضة، تقول بأنه كان من الأفضل أن تدمّر كل سوريا والانتهاء من النظام الحالي، وكان ردي على ذلك، هو أنه من السهل الإدلاء بتصريحات كهذه، من بر الأمان، بينما تقيمون وعائلاتكم خارج سوريا، وقد استقر بعضكم خارج البلاد منذ 30 عاماً.
نعم، لقد أنقذت روسيا دمشق، وأنقذت النظام، ما يعني أيضاً إنقاذ السيادة السورية، والدفاع عن والتأكيد على وحدة التراب السوري، وإفشال كل المخططات والمشاريع الخبيثة لتحويل سوريا إلى دولة فاشلة، وستستمر روسيا في دعم الجيش العربي السوري في تنفيذ مهامه في بسط سيطرته على كافة الأراضي والحدود السورية، وتنفيذ عملياته في القضاء على التنظيمات التي تندرج تحت لائحة المنظمات الإرهابية للأمم المتحدة، وهي المهام التي تقع على عاتقه بالدرجة الأولى. وروسيا تعتبر الجيش العربي السوري وقيادته حليفاً لها في تنفيذ هذه المهام، لذلك ستستمر في دعم سوريا، ولن تتخلى عن ذلك أبداً، لأنه لا توجد سابقة في التاريخ، تخلت فيها روسيا عن حلفائها، وعلى هذا الأساس، ستستمر مساندة الطيران الروسي الحربي للعمليات والمهام التي أوكلت للجيش العربي السوري، بالإضافة إلى تزويده بالمعلومات الاستطلاعية والخبراء المختصين والفنيين، وذلك بالتوازي مع كافة الجهود السياسية والدبلوماسية التي تبذلها القيادة الروسية لمساعدة السوريين نظاماً ومعارضةً للتوصل إلى اتفاق وتفاهم، للبدء في عملية الانتقال السياسي، استناداً إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، والذي كان لروسيا دور أساسي في صياغته وصدوره، بالإضافة إلى ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي عقد في سوتشي بداية عام 2018، والإصرار على بدء عمل اللجنة الدستورية، من أجل خلق الظروف المواتية كي يقرر السوريون مصيرهم بأنفسهم من خلال انتخابات حرة نزيهة. إن أي خيار آخر هو استمرار للمأساة، وزعزعة الاستقرار والأمن في سوريا، وهو ما يسعى إليه أعداء سوريا وروسيا. لقد آن الأوان للقيادة في دمشق وللمعارضة السورية أن تضعا مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبارات أخرى، فلن يكون هناك انتصار حقيقي، ولا فرح حقيقي، طالما ظل وضع غالبية السوريين مأساوياً كما هو الوضع الراهن. ولن يحدث ذلك سوى بالجهود المشتركة على أساس المصالحة الوطنية. كما هو واضح للعيان، فإن انتصار أحد الأطراف على الطرف الآخر لا يعني سوى إبادة أهلية جماعية، والنظام في دمشق هو من يتحمل المسؤولية الأساسية في البدء بالعملية الانتقالية لإخراج الشعب السوري من المأساة التي يعيشها، والطريق لهذا المخرج من الأزمة واضح ومحدد دولياً، وعلى المعارضة أيضا التجاوب، والتخلي عن أفكار الإطاحة بالنظام، ومشاريع المحاسبة وغيرها، فسوريا للجميع، من مختلف الانتماءات الدينية والطائفية والعرقية. ومن يراهن على تحقيق مكاسب نتيجة صدامات خارجية دولية، فهو رهان خاسر، وغير نزيه.
أقول إنه لن تحدث صدامات عسكرية واسعة على مستوى الجيوش في إدلب ومحيطها. قد تكون هناك احتكاكات، وهو أمر وارد الحدوث، ويحدث دائماً في مناطق الصراع، التي تتواجد فيها حشود عسكرية كثيفة، وأريد أن أؤكد هنا أنه نتيجة للاتصالات واللقاءات المكثفة التي شهدتها العلاقات الروسية التركية الإيرانية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تبلورت غرفة عمليات تنسيق مشتركة تضم مختصين في الشؤون العسكرية والأمنية والدبلوماسية من الأطراف الثلاثة، تستطيع تجاوز أي خلافات أو عدم تفاهم يمكن أن يحدث، وهي صمام أمان مضمون لتفادي أي صدام بين هذه الدول الثلاث، وسيكون دورها الأساسي هو إحلال الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
سوف تستمر المعركة ضد الإرهابيين المدرجين على لوائح الإرهاب بالجهود المشتركة لروسيا وتركيا وإيران والجيش السوري، واتفاق سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي يؤكد على وجود تفهم كبير لحساسية كل ما يجري الآن على الأرض بالنسبة للقيادة التركية، لأنها قضية أمن وحدود طولها 900 كلم، إلى جانب قضايا اللاجئين وفصائل وتنظيمات المعارضة الغير مصنفة إرهابية، والمعترف بها دولياً ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2254.
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة