بمناسبة الذكرى الـ 80 لإقامة العلاقات السورية الروسية … افتُتح اليوم في مقر وزارة الخارجية الروسية بالعاصمة موسكو معرض صور ومواد أرشيفية ووثائق من أرشيف الوزارة حول مراحل تطور علاقات التعاون الثنائي بدءاً من البرقية الأولى لإقامة العلاقات الدبلوماسية وصولاً إلى الصور التي تم التقاطها في الاجتماعات الثنائية الأخيرة بين سورية وروسيا.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كلمة خلال افتتاح المعرض أن سورية شريك مهم وموثوق على الساحة العالمية، وروسيا تمكنت معها من القضاء على جذور الإرهاب في أراضيها، كما يتم الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين على كل المستويات.
وقال لافروف: إن العلاقات الدبلوماسية الروسية السورية تأسست في الـ 21 من تموز عام 1944 خلال الحرب العالمية الثانية التي مر فيها العالم بظروف صعبة والتي نمر فيها اليوم أيضاً بسبب تحدي الغرب الجماعي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للمسار الطبيعي للتاريخ والعمليات التي أدت إلى تشكيل نظام عالمي أكثر استدامة وعدالة واستقراراً بعيداً عن الهيمنة والممارسات الاستعمارية، وبحيث تستطيع الدول إقامة التعاون على أساس المساواة في الحقوق واحترام المصالح، مشيراً إلى أن سورية وروسيا اليوم في طليعة النضال من أجل تشكيل هذا العالم العادل متعدد الأقطاب.
وأعرب لافروف عن تقدير روسيا العالي لجهود سورية في الحفاظ على الصداقة بين البلدين، منوهاً بالاتجاهات الكبيرة والمتنوعة التي تم تحقيقها من خلال التعاون الثنائي بينهما.
ولفت لافروف إلى أن العديد من الأشخاص ذوي التفكير المماثل في بلدان الأغلبية العالمية يتفقون على أن رغبة الدوائر الحاكمة في الدول الغربية بفرض دكتاتورية أحادية القطب على المجتمع الدولي محكوم عليها بالفشل.
وقال وزير الخارجية الروسي: “نحن مستمرون في اتباع خط مستقل في السياسة الخارجية، وتعزيز العلاقات مع أولئك الذين هم على استعداد للعمل على مبادئ المساواة والاحترام المتبادل، وسورية هي حليفنا الموثوق الذي اختبره الزمن وشريك مهم على الساحة الدولية، وبفضل جهودنا المشتركة تمكنا من إخماد بؤرة الإرهاب الدولي على الأراضي السورية، حيث تحافظ البلاد على وقف مستقر للأعمال القتالية وتدريجيا وإن لم يكن ذلك بدون صعوبة يتم إنشاء حياة طبيعية سلمية”.
وأضاف لافروف: “إن السيدين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين يتواصلان بانتظام، كما تتفاعل إدارات السياسة الخارجية بشكل وثيق، ففي كانون الثاني وأيار من هذا العام التقيت مرتين في موسكو مع زميلي وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد، وتجري أيضاً اتصالات مكثفة على مستوى قيادات إدارات الدفاع ومن خلال الوزارات المعنية بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ففي تشرين الأول 2023، وقع رؤساء اللجنة الروسية السورية الدائمة للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني اتفاقية بشأن توسيع التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين”.
وأوضح لافروف أن الجانبين يوليان اهتماماً كبيراً لتنمية الاتصالات الثقافية والإنسانية والعلمية والتعليمية، فهناك آلاف السوريين يدرسون في مؤسسات التعليم العالي في روسيا، كما يتفاعل ممثلو الأوساط الأكاديمية والمجموعات الثقافية بنشاط، وهناك اهتمام متزايد باللغة الروسية في سورية حيث يدرسها حالياً أكثر من 36 ألف تلميذ وطالب سوري، مبيناً أن الجانب الروسي سيبذل قصارى الجهد للمساعدة في تطوير هذا المجال من العلاقات التعليمية المتبادلة.
وقال لافروف: “أنا مقتنع بأن العلاقات بين روسيا وسورية ستستمر في التطور تدريجياً، استناداً إلى الخبرة التاريخية الغنية وروح الصداقة لسنوات عديدة بين بلدينا وشعبينا”.
ونوه لافروف بالجهود التي بذلها قسم التاريخ والوثائق في وزارة الخارجية من أجل تنظيم هذه الفعالية التي ضمت مواد ووثائق من أرشيف وزارة الخارجية الروسية حول المراحل الأساسية لتطوير التعاون متعدد الاتجاهات بين سورية وروسيا.
من جانبه أكد السفير السوري في روسيا الدكتور بشار الجعفري في كلمته أن ما يميز العلاقات الثنائية بين روسيا وسورية منذ بدايتها هو نموها الدائم وتطورها دون أي مشاكل أو معوقات في أي من المراحل.
وقال الجعفري: “إن الصور المعروضة هي جزء من الأرشيف الغني الذي تحتفظ به الخارجية الروسية، حيث إن كل صورة تحكي قصة وتعكس الأحداث المميزة التي تشاركنا فيها معاً في صداقتنا الطويلة”.
وأضاف الجعفري: “إن من اللافت أن اسمي بلدينا روسيا وسورية مكونان من الأبجدية نفسها في اللغة العربية، وهذا التوافق يتجاوز الصدفة البسيطة ويعكس ترابط القدر حتى في اسمي بلدينا”.
وأوضح الجعفري أن قرار روسيا باختيار دمشق كمقر إقليمي لمنظمة “محبي روسيا” ليس عشوائياً، حيث تميزت العلاقات بين البلدين الصديقين بالتعاون الوثيق على مختلف المجالات منذ استخدم الاتحاد السوفييتي حق النقض “الفيتو” لأول مرة في مجلس الأمن بتاريخ الـ 16 من شباط 1946 لإفشال مشروع قرار فرنسي يتعلق بفرض شروط على المطلب السوري بسحب القوات الفرنسية والبريطانية من لبنان وسورية، وتلا ذلك تقارب كبير بين البلدين بعد الاستقلال.
وأشار الجعفري إلى أن سورية ومصر كانتا أول دولتين كسرتا احتكار الغرب لبيع السلاح، وعقدتا اتفاقيات لاستيراد السلاح السوفييتي بدلاً من شرائه من الغرب.
ولفت السفير السوري إلى تنفيذ مشاريع إستراتيجية عدة في سورية منها سد الفرات، ومحطتا البعث وتشرين لتوليد الطاقة الكهربائية، ومد نحو ألفي كيلومتر من خطوط السكك الحديدية وتطوير المرافئ والمواصلات والموارد المائية والنقل البحري ومشاريع التنقيب والاستكشاف البحري، كما ساهمت الشركات الروسية في تنفيذ مشاريع مهمة في مجال استكشاف واستخراج النفط والغاز، إضافة إلى تشجيع إجراء الأبحاث العلمية واستخدام الفضاء للأغراض السلمية.
وقال الجعفري: إن هناك تعاوناً واسعاً في مجال إعداد الكوادر السورية في الجامعات والمعاهد الروسية، وقد وقع البلدان خلال الثلاثين سنة الأخيرة أكثر من 100 اتفاقية وبروتوكول ومذكرة تفاهم.
وأوضح الجعفري أن العلاقات السياسية الثنائية بين البلدين توجت بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون بتاريخ الـ 8 من تشرين الأول 1980، كما شهدت العلاقات الثنائية دفعاً قوياً من التطور منذ عام 2000 ترجمته الزيارات الرئاسية المتبادلة بين مسؤولي البلدين على أعلى المستويات، والتي بلغ عددها ثماني زيارات حتى الآن، وكانت آخرها تلك التي قام بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى موسكو بتاريخ الـ 14 من آذار 2023، علاوة على العشرات من الزيارات على المستويات الوزارية.
ولفت الجعفري إلى أن هناك لجنة مشتركة عليا تنظم العلاقات بين البلدين، وهي العلاقات التي وصلت إلى مرحلة التحالف الإستراتيجي، وتجلى ذلك في تعزيز التعاون العسكري لمحاربة الإرهاب في سورية في العام 2015، لتصبح روسيا بذلك شريكاً إستراتيجياً في التصدي للحرب الإرهابية الرامية إلى تقويض الدولة السورية.
يُشار إلى أن افتتاح المعرض شهد حضور ممثلي السلك الدبلوماسي الروسي وعلى رأسهم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وممثلي الأوساط الأكاديمية والبرلمانية الروسية، وعدد من السفراء والدبلوماسيين العرب والأجانب.