بديع عفيف
إذا صدقت النوايا ووجدت الإرادة، فإن تحقيق تقدّم في المصالحة السورية التركية أمر حتمي لاسيما بوجود المصالح المشتركة، وهي كثيرة. البيانات الثلاثة التي صدرت عقب لقاء الأربعاء الثلاثي بين وزراء الدفاع السوري والتركي والروسي في موسكو، تؤكد جدية الأطراف الكبيرة في العمل معاً، وبيان وزارة الدفاع السورية مؤشر مهم في هذا السياق؛ اللقاء الثلاثي ربما أصبح مقدّمة للقاء سيجمع وزراء خارجية البلدان الثلاثة ومن ثم الرؤساء الثلاثة!
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قاد حملة بداية عام 2011 ضد الرئيس السوري بشار الأسد، وهاجمه وانتقده وحارب سورية بكل قسوة، يجد نفسه اليوم بانتظار النجدة من الصديق ـ الخصم، لحل مشاكله الكثيرة التي ورّط نفسه بها؛ لا نريد تقليب المواجع والمناكفة وليس هذا وقتها، ولكن ما نعنيه هنا هو أنّ يكون ما حصل خلال العقد الماضي درساً مهماً للقيادة التركية لتفهم وتدرك الصديق مِن العدو وكيف تقيّم مصالح بلادها، ومع مَن تجد هذه المصالح، وتكفّ عن الغرور والغطرسة والرقص على الحبال المختلفة!
المطلوب الآن التعاون والعمل معاً لعودة الثقة أولاً، ومن ثم إيجاد حلول للمشاكل المتراكمة، وأهمها إنهاء تمرّد المجموعات الإرهابية في شمال غرب وشمال شرق سورية، وتطبيق الاتفاقيات التي كانت قائمة بين البلدين وتجديد ما يحتاج منها إلى تجديد؛ وبالمحصلة المطلوب أساساً هو احترام استقلال وسيادة وسلامة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية قولاً وفعلاً، وليس قولاً فقط.
في الحرب الجميع خاسرون، ولا نحتاج إلى دليل؛ فتجربة العقد الماضي لا تحتاج إلى شرح؛ الاقتصاد التركي على كفّ عفريت، ونظيره السوري ليس بأفضل حال؛ تطور البُلدان بشكل عام يحتاج إلى الاستقرار الداخلي واستقرار العلاقات الخارجية ولاسيما مع دول الجوار، لتحقيق النمو والبناء والازدهار.
الدور الروسي مهم لجمع الشتات وإصلاح الحال بين سورية وتركيا، ومهمٌ أيضاً لدفع قواعد الاحتلال الأمريكي خارج الأراضي السورية؛ الأمريكيون الموجودون يؤلبون مجموعات في شمال سورية لتشكيل كيانات انفصالية لم تعد خافية مظاهرها على أحد. وبغض النظر عن التسميات والشكل الذي تظهر به هذه المجموعات، فليس من مصلحة سورية ولا تركيا ولا العراق ولا حتى إيران استمرار الدور الأمريكي التخريبي هذا.
سرقة النفط السوري التي يقوم بها المحتلّ الأمريكي علناً، تخالف كل الشرائع والأنظمة والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة؛ الوجود الأمريكي في سورية دون رغبة وإرادة وطلب الحكومة السورية، هو بحدّ ذاته أكبر مخالفة للأنظمة والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة.
تجدد الآمال أمر مشروع ومنطقي، ولكننا لسنا واهمين؛ واقع الحال يقتضي التعاون لمواجهة التحديات الجمّة وهي تستحق هذا التعاون والتنسيق للوصول إلى الأهداف الإستراتيجية الكبيرة. ولا ضير من العودة إلى ما قبل الحرب على سورية حيث كانت العلاقات السورية التركية في أوجها، للتذكير، أنه في ذلك الوقت تم الحديث عن “ربط البحار الخمسة” كأفق وأرضية للتعاون الواسع والمصالح الإقليمية المشتركة.
وقبل أسابيع نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية (10 كانون الأول 2022) تقريراً بعنوان: وَصْلة حلب – كلس: هل يصل الغاز الروسي إلى دمشق وبيروت؟ قالت فيه إنه إذا تَحقّق مقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحويل تركيا إلى مركز لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، فإن سورية ولبنان يصبح لديهما خيار آخر للتزوّد بالغاز الطبيعي؛ بغض النظر عن إنجاز هذا الأمر، لكنه غيض من فيض ما قد يتم إنجازه من مصالح!
الحوار يكون بين الأطراف المختلفة، والآن ثمة من يرغب في إجراء هذا الحوار، ومن يرغب في إدارته، وهو في مصلحة سورية وتركيا وروسيا؛ ولا بد من التعاون وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني لتحفيز النمو والاقتصادات، والتعاون في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمارات… الخ، لمصلحة وخير شعوب البلدان الثلاثة والمنطقة أيضاً.. ومن حقّنا أن نرى بصيصاً في آخر النفق، نأمل أن يكون العام القادم تجسيداً عملياً لهذه الآمال..!!