اللغة العربية أحد أركان التنوع الثقافي للبشرية برمتها، وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، ما يجعلها حاملاً حضارياً وتاريخياً وثقافياً للإنسانية جمعاء، وذلك كونها ركناً أساسياً من أركان التنوع والتواصل الثقافي، بسبب عراقتها وجمالها وقدرتها على مواكبة تطورات الحضارة.
وبمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف الأحد القادم قال رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود السيد في كلمته: على أبناء الأمة العربية أن يقدروا عالياً أن لغتهم العربية هي من بين اللغات الست المعتمدة من الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها في الوقت الذي نجد فيه دولاً عظمى لم تكن لغاتها من بين اللغات المعتمدة مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان والهند، مضيفاً: من المؤسف حقاً أن يستعمل بعض ممثلي الدول العربية في الأمم المتحدة ومنظماتها اللغة الأجنبية غير مهتمين بنظرة الآخرين إليهم في الوقت الذي تتبوأ فيه لغتهم المرتبة العالمية.
وأشار الدكتور السيد إلى أن اللغة العربية كانت لغة عالمية قبل بداية ألق الحضارة العربية الإسلامية، وذلك عندما تمثلت التراث العلمي والفلسفي لأعرق الحضارات المعروفة في التاريخ من يونانية ورومانية وفارسية وهندية دون أن تنزل عن سماتها وأصولها، وجرى نقل أساليب وفنون العلم إلى أوروبا، وتجلى ذلك في رسائل جابر بن حيان في الكيمياء، والرازي وابن سينا والزهراوي وابن النفيس والكندي في الطب، وابن البيطار في النبات، وحنين بن إسحاق في التشريح، وابن الهيثم في علوم الطبيعة والبصريات، والبتاني في الفلك، وابن ماجد والشريف الإدريسي في الجغرافيا، وابن خلدون في علم العمران، وابن رشد في الفلسفة، وابن جني والخليل والجرجاني وسيبويه في علوم اللغة وغيرهم.
اللغة العربية لا تزال حتى في وقتنا الحالي تتبوأ مقاماً عالمياً
ولفت الدكتور السيد إلى أن اللغة العربية لا تزال حتى في وقتنا الحالي تتبوأ مقاماً عالمياً، وذلك لعراقتها، وعدد المتكلمين الذي يزيد على 450 مليوناً في الدول العربية وحدها، إضافة إلى توق أبناء الدول الإسلامية غير العربية الذين يبلغ عددهم نحو مليار ونصف المليار إلى تعلمها وإلى اعتمادها كلغة أخرى في بعض الجامعات الأجنبية.
وأشار رئيس مجمع اللغة العربية إلى اعتماد الأمم المتحدة للغة العربية بين اللغات العالمية في عام 1973 حيث كان لهذا التاريخ دلالة تعود لحرب تشرين التحريرية التي أثبت فيها العرب تضامنهم ووحدة كلمتهم وانتصارهم على العدو الإسرائيلي، حيث فرضوا وجودهم على الصعيد العالمي.
ولفت الدكتور السيد إلى أن الاستعمار يروم بإبعاد لغات الشعوب والأمم، وفرض لغته مكانها، وهذا ما قام به الاستعمار الفرنسي في دول المغرب العربي، وسورية ولبنان، وما قام به الاستعمار البريطاني في مصر والسودان والعراق، إلا أن محاولاته كافة باءت بالإخفاق، وأثبتت سورية والجزائر أن انتماءهما إلى لغة الأمة هو مظهر حضاري لا يمكن أن توصف به أمة لا تحترم لغتها، ولا يبذل أفرادها ما في وسعهم من أجل النهوض بها ما ينعكس على حاضرهم ومستقبل أبنائهم.
مجمع اللغة العربية بدمشق حريص على وضع المصطلحات باللغة العربية الفصيحة مقابل المصطلحات الأجنبية
ورأى رئيس مجمع اللغة العربية أنه إذا كان عالمنا المعاصر يؤكد دور التنمية البشرية في مجتمع المعرفة فإن الاستثمار الصحيح هو في العقول وتنميتها بالمعرفة ما يبرز دور اللغة العلمية والتقانية في تحسين مردود القوى العاملة باللغة الأم ويتعاظم بدرجة كبيرة مع التوجه نحو الاقتصاد المبني على المعرفة، وتعد الترجمة العلمية من وسائل إغناء اللغة العلمية والتقانية للقوى العاملة والنهوض الاقتصادي والاجتماعي الذي يعد مفتاح حل أهم القضايا الاقتصادية العربية المعاصرة التي تتمثل بتوليد فرص العمل، وتنويع النشاطات الاقتصادية وزيادة دخل الفرد، وزيادة الناتج الإجمالي المحلي والعربي.
وختم الدكتور السيد كلمته بالقول: ومن هنا كان حرص مجمع اللغة العربية بدمشق خلال مسيرته عبر ما يزيد على قرن كامل على وضع المصطلحات باللغة الأم العربية الفصيحة مقابل المصطلحات الأجنبية، فأنجز المعاجم في مختلف ميادين المعرفة، بهدف إغناء اللغة بالمستجدات المعاصرة، وبقي المجمع حارساً للعربية الفصحى، وعاملاً على خدمتها، وتمكينها من خلال وضع المصطلحات العربية ونشر المؤلفات والبحوث، وإلقاء المحاضرات، وعقد المؤتمرات والندوات.
وتمنى الدكتور السيد على المجامع العلمية اللغوية في الوطن العربي أن تضاعف جهودها كافة في التنسيق والتعاون والمبادرات الإيجابية خدمة لحبيبتنا الأثيرة لغتنا الأم العربية الفصحى.