يحافظ الفنان التشكيلي محمد نذير البارودي في منجزه الثقافي على العناصر الأساسية للموروث الشعبي، من خلال التركيز على أدق تفاصيل التراث الدمشقي، حيث يبحر في أعماق الخطوط والألوان ويتجول في شوارع الأحياء الدمشقية القديمة، ويعود بالذاكرة إلى أيام (الترامواي) والمهن اليدوية القديمة الحاضرة بريشته التي وثق فيها نحو 850 عملاً تشكيلياً، يغني الذاكرة البصرية للبيئة الدمشقية.
وعن بدايات البارودي الفنية قال في حديث لنشرة سانا الثقافية: “إنه جسد في طفولته أشكالاً وتماثيل من مادة المعجون، لتنمو موهبته الحقيقية وتظهر في المرحلة الابتدائية، عندما بدأها برسم خرائط الوطن العربي وسورية”.
وعندما كان يتجول في حارات دمشق القديمة (القيمرية وساروجة) حيث تزهو الخطوط التي رسمها التاريخ وأبدعها الزمان حسب تعبيره، كان يتمعن في أدق تفاصيل العناصر التراثية والزخرفية التي نقشت على البيوت القديمة والأبواب الدمشقية، وجمال الحرف اليدوية التي كان يشتهر فيها أهالي دمشق (كخراطة الخشب، والمخرز، والنول، وغيرها).
ووثقت ريشة البارودي حكايات أهل الشام من خلال حكواتي قهوة النوفرة، والتي جسدها في 19 لوحة فنية تميزت بدقة التفاصيل وانسجام الألوان، لترسخ في أذهان المجتمع السوري إلى يومنا هذا.
كما جسد في أعمال أخرى الحارات الدمشقية إذ بدأها من حي القيمرية مستخدماً فيها أبسط الأدوات كالسكين، ومعتمداً في كل أعماله على الألوان الزيتية لتصوير عشقه لذلك الحي العريق، أما لوحة “طاحونة البن” فقد استقى البارودي مضمونها من قصيدة الشاعر الكبير نزار قباني “هذي دمشق”.
وتناغمت خطوط لوحة معرض دمشق الدولي في ستينيات القرن الماضي، ليجسده بكل تفاصيله وجزئياته من حيث الفعاليات التي ميزت المعرض وزواره الذين كانوا يجلسون على ضفاف نهر بردى.
وعن اللون الذي طغى على جل لوحاته أشار البارودي إلى أن أحب الألوان إلى ذاته هو الأحمر، الذي كان يمثل له طربوش والده، حيث صبغ أعماله بصبغة جمالية مختلفة عمن سواه من التشكيليين.
وأكد البارودي أهمية العناصر التراثية الدمشقية في العمل التشكيلي، كونها تعطي هوية متفردة لكل عمل من أعماله، معرباً عن رغبته بتجسيد التراث السوري في جميع المحافظات.
يذكر أن البارودي من مواليد دمشق عام 1953، تخرج من المعهد المتوسط الهندسي اختصاص إلكترون، وشارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية وله العديد من الأعمال الفنية المقتناة في عدد من الدول العربية والأجنبية.