- 2021-05-18
إن النهج السليم والقويم، في أي مؤسسة أو إدارة ما، يكون بمشاركة كل الأطراف في المؤسسة من الجهات الوصائية إلى الإدارة ومن ثم تعاطي الكوادر ومن هم في مواقع المهام وتأديتها، خاصة إذا كانت هذه المؤسسة ذات تماس مباشر ووثيق مع الشركات والمواطنين، أو تكون مسؤولة عن حماية دخول سلع ومواد مخالفة للإجراءات، وتكون الطامة الكبرى إذا كانت الإدارة هي المعنية بمراقبة وحماية الوطن من دخول كل ما يتعارض مع طبيعة القوانين ومراميها.
فإذا كانت تعمل وفق رؤى إستراتيجية متكاملة، فستكون انعكاساتها على انجاز أعمالها سليمة، أما إذا كانت تعمل وفق رؤى فردية بعقلية مزاجية، فسيكون العائد، إهمالاً وفساداً، وأشخاصاً يستفيدون ويسترزقون وكله على حساب المصلحة العامة، ويخسر ما يخسر الاقتصاد من أموال…!
ففي ظل هكذا بيئة داخلية عاصفة وملتهبة، جراء تداعيات ظروف اقتصادية، وفي جو من الضبابية وعدم وضوح الرؤية ومن دون تحديد إستراتيجية واضحة المعالم بكافة مجالات العمل، فالنتائج تتأتى يومياً بعد مزيد من ظهور معلومات عن حالات فساد وعدم تأدية المطلوب بأحسن صورة لجهاز الجمارك، المفروض أن يكون ضمن هيكلة أداء متكاملة، ويغير الذهنية السائدة لدى العموم، بأن يشوب معظم مفاصل تركيبته وأعماله التسيب والترزق، وفوات المنفعة العامة، وتالياً خسائر تضرب بالمواطن والخزينة العامة على سواء.
والسؤال العريض اليوم: لماذا صورة عمل هذه الإدارة مرتبط بالمنفعة..؟
فهل هي هكذا الصورة من صوابية.. أم إنها صورة مغلوطة مشوشة..؟
الوقائع المتلاحقة بين فترة وأخرى، وسنة وأخرى، تؤكد أن أعمال هذا القطاع يشوبها ما يشوبها من إشكالات وحلقات أداء غير سليمة، من أعلى الهرم إلى أقل مفصل إداري، يمكن لأن طبيعة العمل تفترض أن يحصل ما يحصل، من تقديم المقابل للسكوت على مخالفات أو تمرير صفقات شحن مواد وغيرها، فهي باب للتكسب القوي.
ومكان لتحقيق المكاسب بأقصر الأوقات، أمام من يظفر بالوصول لدخول حلقات العمل فيها، حتى من يكمل أعمال حلقات متممة لبعض نشاطاتها شابته الكثير من التجاوزات المالية الخطيرة، مثل المخلصين الذين على تماس يومي ضمن عمل القطاع…
فما خرج أن هناك منظومات عمل لا تخلو من سلبيات تلف مسير العمل مهما كبرت أو صغرت المهام المطلوبة… فالكل بات مقتنعاً بأن حلقة الفساد موجودة وبزخم، إن لم تمارسها الإدارات، فالمفاصل التي على تماس مباشر، ترتكب مختلف التجاوزات وتمرر ما تمرره، وكله محسوب حسابه، صحيح أن هناك حالات ضبط لتهريب مواد قامت بها العناصر وهي كثيرة.
إلا أن هناك حالات سكوت ومنفعة مقابل حسابات أخرى، وأمام ما يجري اليوم، من تغييرات شملت معظم المفاصل العاملة، تغيرات بالإدارات رافقتها تنقلات من هنا إلى مكان آخر لأشخاص.. هل انتهت المسألة، وبإجراء تلك الخطوات سيشهد هذا القطاع أداء غير ما هو سائد، وتنتفي كل حالات السكوت..؟ أم العملية تخميد أوجاع، وتغيير طرابيش ومن ثم كأن شيئاً لم يكن، وهي الطريقة المعهودة، لتمضي الأوقات، ونفيق كما الجميع على حالات جديدة من التلاعبات وتشكيلة تنقلات..
وهكذا، وهنا يبقى النزيف مستمراً، مقابل استرزاق وغنى فاحش لأشخاص ومتلاعبين صاروا حيتاناً كبيرة..
فإستراتيجية عمل مؤطرة وشفافة هي أساس النهوض بالعمل، ولتطبيقها التطبيق الكفء والفعال ضمن الأولويات المحددة مسبقاً وفي ظل منظومة متكاملة من الحوكمة الرشيدة والرقابة والمتابعة الحثيثة لهذا التطبيق فالإفصاح والشفافية والمسؤولية والمساءلة والثواب والعقاب… وما دون ذلك فسنبقى ندور حول أنفسنا في حلقة مفرغة ونستمر في الغوص في مستنقع قصر النظر والبلاهة والغباء…
عالقين بين مطرقة الكذب والدهاء والفساد والنرجسية وسندان البؤس والعجز والفقر والبطالة… وغيرها من المسائل المسببة لاستنزاف اقتصاد مجروح أصلاً.
لماذا يكون هذا على بساطته صعباً للفهم وصعباً للتطبيق؟! هذا إذا ما توفرت الإرادة الملهمة المحفزة القادرة على صناعة التغيير الإيجابي في عمل مؤسسة مهمة جداً… وتوفرت النية الحقة والولاء الصادق لثرى الوطن الغالي والإخلاص والوفاء لشعبه من قبل العاملين على خدمته…
وتوفرت البطانة الصالحة التي إذا توفرت فرص الاسترزاق من قبل بعض الموردين مثلاً لتمرير أي تجاوزت منعته ووقفت جداراً صلباً تجنباً من الوقوع في مستنقعات الفساد.
كما هو معروف عمل سلطات الجمارك من أهم السلطات، وفي دول أخرى تحتل الأولويات نظراً للدور الكبير الذي تؤديه، وما تقوم به في مساعدة الجهات الرقابية عبر الحدود من خلال تطبيق أحكام الرقابة الأمنية والصحية والزراعية والبيئية وتحصيل الرسوم الجمركية التي تمثل رافداً مهماً للدخل القومي.
ومع التوسع بالأعمال، وازدياد الطلب على توريد السلع، وفي ظل الحصار الاقتصادي الخانق، انتعشت حالات التهريب، وهكذا لأمر طبيعي، وخاصة بالأزمات والحروب، وهذه الإدارة مسؤولة عن ضبط إيقاع منع مرور أي شيء أو مادة مخالفة للقوانين الناظمة والمتبعة، وهذا من صلب مهامها، إلا أن ما حصل أولاً ملاحقتها وضبط مواد لتجار وموردين في مستودعات خاصة، متناسية تماماً كيف وصلت مثل هكذا مواد مخالفة للإجراءات إلى مستودعات داخل المدن مثلاً..؟ فهي المسؤولة أولاً وأخيراً.. فحمايتها عند الحدود، أم ضبط المواد داخل المستودعات…؟
وهذه جدلية أثارت العديد من حلقات النقاش والتباحث، أفضت إلى اتفاقات مابين طرفي الحماية الجمركية والموردين والتجار على عدم اللجوء إلى حالات كمداهمة الأمكنة التي تضمن اشتراطات محددة، فخفت وطأة حالة اللغط والتدخل التعسفي تحت مبرر الحماية حتى لو كان من ضمنها الابتزاز وسواه، وعلى التوازي لم تهدأ حالات التهريب داخلياً وخارجياً، أي لم تختفِ أي مادة أجنبية غذائية أو غيرها من الأسواق، فقط أسعارها محددة وجنونية، كذلك تهريب قطيع الثروة الحيوانية الذي تسبب في خسائر اقتصادية كبرى، وهذه الوقائع أثبتتها الإدارة الجمركية ذاتها، ويحصل كل ذلك الخرق، جهاراً نهاراً، وكأن لا أحد يخاف من ويلات وتبعات ذلك……! قد يقول قائل: إن الحقبة تقتضي تشجيع التجارة وتنشيط عمل الاقتصاد وإيجاد التوازن بين الاحتياج والمتاح، وهذا أيضاً يحتاج بالطبع إلى إحداث توازن بين الرقابة من جهة وتسهيل الإجراءات الجمركية من جهة أخرى..
هي بلا شك أساسيات يجب الأخذ بكل معطياتها، لضمان وصول مواد وسلع تسد النواقص المحلية، لكن هناك سكوتاً وتغاضياً وغض بصر عن حالات مخالفة، وارتكابات جسيمة، وإلا ما مبرر وجود حلقة من الإهمال والتراخي، وسواها من توقيفات وحالات سجن للبعض، وأيضاً كيف يقنعنا هذا الجهاز بما يشاهده المواطن من مواد وسلع مهربة..! إن استخدام نظم جمركية جديدة لتطوير منظومة العمل الإدارية والحمائية خطوة لا تحتمل أي نقاش أو إشارة من أحد، من أجل تسهيل إجراءات الأعمال.
وتجعل المنافذ والموانئ بوابات تعبر منها السلع والبضائع في أسرع وقت، مما يخفض النفقات ويحقق مفهوم الجودة متمثلة في رضا المتعاملين مع الإدارات الجمركية وثقتهم بالعاملين بها. فهل هكذا خطوات موجودة بتفاصيلها من دون الخوض في الوقوع في براثن الدفع وما غيره.. فكل قضية مهما كبرت أو كانت صغيرة لها مختصوها ورجالها، وكله له أسعاره وتكاليفه.
ليس المهم ما نشير إليه هو الإساءة إلى جهاز مهم له من الإمكانات والمسؤوليات الشيء الكبير، إنما وقفة من أجل الإجابة عن تساؤلات مشروعة، وحاجة لمزيد من اتباع خطوات تخفف من حالات التماس، فتحديث الإجراءات وتغيير نمط العمل قد أصبحا مطلباً مهماً للتعامل مع عمليات التجارة والتوريد وممارستها وتحقيقها ضمن أسس واضحة لا تشوبها شائبة، حيث نجد أن هذا يتم وفق طرق من أهمها
أولاً: إيجاد أنماط وأساليب عمل جديدة، وهذه ليست بالمهمة الصعبة، وهذه تفرضها الظروف والمتغيرات الطارئة لمواكبة التغيرات في الاقتصاد.
وثانيها: اعتماد وسائل استخدام التكنولوجيا الحديثة وتحقيق التنسيق الفعال مع كل الأطراف من وزارات وغرف تجارة وصناعة، مع القناعة التامة بأن نجاح الأعمال في المؤسسات مرهون بمدى قوة الإدارة وحسن تعاطيها مع الواجب الوظيفي بكل أمانة وإخلاص، والمعرفة بكل جزئيات العمل، بمعنى أوضح اختيار إدارات تمتاز بالكفاءة والتفاني بالإنجاز ونظافة اليد، كجهة مسؤولة عن تنفيذ ومتابعة السياسات والقرارات الخاصة بعمليات الاستيراد والتصدير والرقابة في المنافذ الحدودية وتؤثر في حركة انسياب وتدفق البضائع، وتراقب عن كثب كل ما ينفذ حتى من أصغر إدارة تتعاطى مع هذا المرفق المهم، لا أن تترك الأمور على عواهنها من التسيب وغض البصر، وملاحقة حلقات تهريب بسيطة، فيما تتجاهل الكبرى مقابل تحقيق منافع خاصة، فإجراء عمليات الإعفاء بحق من قصر أو سواه، أو من تم نقله، وتبديل مكان عمله، إجراءات إدارية بحتة، قد يكون ما يبررها، بل ما يحتاجه هذا القطاع المهم، آليات عمل مؤتمتة وسريعة، تواكب أسس التجارة وطرائق اتباعها، مع حسن اختيار المعنيين على سلامة حسن تنفيذ المهام بكل أمانة ومسؤولية، ترى في حماية الوطن من تبعات دخول مواد وسلع ضرورة وطنية كبرى.
الوطن