ونحن على مسافة قريبة من الانتخابات في سورية ، نكون قد قطعنا مشواراً استراتيجياً في انتصار تكلّل عام 2014 بفوز الرئيس بشار الأسد، وكانت المعركة في ذروة التباسها، لكننا اليوم في 2021 سيتحقق حتماً الفوز حيث المعركة في ذروة الوضوح. خسر خصوم سورية كلّ مصداقية، وبات الفوز خالصاً للأسد، لكن ماذا في وسع الديمقراطية أن تقول في فوز حتمي لا مرية فيه؟
إنّ مكر التّاريخ حاكم على مكر السياسة، وقد تجسد الروح المطلق الهيغلي في الأسد من خلال كل هذه الانتصارات التي لا يمكن تجاهلها، إن الصراع التاريخي في نهاية المطاف هو صراع يتجه نحو الاعتراف، وقد تجلى هذا الاعتراف تاريخياً ، فماذا بقي للسياسة سوى أنها ممرّ يجسد القيمة المحددة أو الأسمى لإمضاء ما قرره التاريخ.
الرئيس الأسد بات عنوان سورية المكافحة، هو وسورية في قلب استحقاقات الصراع حول «الهارتلاند» في تصنيف الجغرافيا السياسية. وفي ضوء ثقافة الوفاء وأهميتها في هذه المعركة، لا يوجد من سيكون أحق بالفوز، أليست الديمقراطية هي في نهاية المطاف حكم الجدارة والاستحقاق(méritocratie)؟ قل من قاد معارك الانتصارات الكبرى ومخرجات اللاّءات الكبرى، في زمن انهيار الكيانات، وانهزام الإرادات؟
إنّها انتخابات تجري في سياق استحقاق قومي، ولحظة حاسمة فاض فيها الكفاح السوري على المجال ، لينتج انتصارات جيواستراتيجية كبرى، كما عزّز الانتقال إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والإرادات.
دافع الأسد عن سورية مستقلة وحرّة، وأدار معركة مصيرية لم يكن أحد حتى 2014 يعلم أين تسير، رابط في عرينه الشّامّي برباطة جأش، يدبّر يوميات المقاومة ضدّ مكر السياسات وألاعيب الأمم، إنّها معركة كلّفت سورية ما يفوق حروبها التحررية ضدّ الاحتلال الفرنسي.
فوز الأسد يعني انتصاراً لسورية ، ولهذا هو حتمي، لأنّ العلاقة بين الأسد وسورية باتت عنواناً لأنطولوجيا سياسية، يفسّرها عهد الصّمود وإرادة وطنية فائقة.
إنّ صناديق الاقتراع هي عنوان توافق، وتعبير عن التراضي، لكنها في عزّ المعركة ، هي تحصيل حاصل، وعنوان إضافي لتعزيز ما تأكّد في يوميات الحرب. من هو الضامن لمستقبل سورية منتصرة ونامية، بعد عشرية العدوان المقيت؟ إنّ فوز الرئيس الأسد الحتمي من منظور تاريخي، هو العنوان الأبرز للديمقراطية التي تعني انتصار الشعب وحكومة شعب في ذروة النّصر، فالذي دبّر معركة المصير هو حتماً ومن باب الأولوية القطعية، أقدر على تدبير معارك الوحدة والتنمية وحماية النّصر.
إنّ فوز الأسد حتمي، لأنّه يعني فوز الوطن السوري، والشعب السوري الأغلبي الذي يتطلّع إلى الانتصار والاستقرار، والجيش العربي السوري الذي خاض ملحمة أسطورية في مواجهة العدوان، والتاريخ السوري، والأحرار الذين علقوا أملاً على انتصار سورية ، ولأنّه أمل العروبة.
من يرفض الأسد هو بالتأكيد من يرفض سورية حرة مستقلة منتصرة. ولقد أظهرت عشرية العدوان أنّ للأسد خصوماً شتّى، فأمّا خصومه الواضحون فلم يألوا جهداً في محاربته وجهاً لوجه أو عبر وكلائهم. وهناك من كان ينتظر سقوط سورية ، لأنهم أدركوا أنّ ذلك يعني تخريب سورية وتحطيم كل إرادتها السياسية ودستورها ونظامها. قسم من المنافقين العرب انتظروا طويلاً، التزموا شكلاً من الحياد السلبي، وأحياناً مجاملات فارغة، لربح مزيد من الوقت، لم يوضحوا مواقفهم، تحالفوا مع خصوم سورية وتعانقوا في كلّ المناسبات، ولكنهم في آخر المطاف، ولأنهم متمرسون على النّفاق، باتوا يقولون اليوم شعراً في سورية بعد أن حطمت آمالهم وانتصرت على العدوان، هؤلاء يزاحموننا اليوم احتفالنا بانتصارات سورية ، ولكننا نشعر بالقرف حين يشاركنا المنافقون احتفالاً من هذا القبيل، مهما كنت بصيراً بما وراء أقنعتهم، فإنهم كائنات تعيش على إيقاع الزّيف والبهلوانية.
اليوم باتت سورية محور تفاهمات كبرى، فالجغرافيا تتزحزح باتجاه مخاضات لانفراجات قادمة، ولا يوجد انفراج خارج المعادلة التي فرضتها سورية بلاءاتها التي أنتجت موقفاً هو ذخر لكل العرب.. هناك من العرب من لا يقدرون قيمة هذا الانتصار على المستوى الاستراتيجي، ولكن حين تنقلب الصورة سيكتشفون بؤس مغالطاتهم. لقد صوّتنا رمزياً للأسد، فهذا بدهي ومتوقّع، وما تبقّى تفاصيل. لا يمكن بعد كل هذا الانتصار تصور نحو ما من الانفكاك بين سورية والأسد، فهذا بيت مكافح ومناضل أظهر معدنه النفيس في عشرية العدوان. لقد اكتشفنا بؤس الكراهية للأسد من بؤس كراهيتهم الملونة لنا بمجرد تضامننا المتواضع مع سورية ، أدركنا طبيعة الحقد والمغالطات والمرض الذي اجتاح المنطقة في هذا العصر العربي الذي يستحق أن يسمى عصراً سورياً بامتياز. قلنا منذ 2011، سيأتي اليوم الذي سيبسط فيه السجاد الأحمر لفخامة الرئيس بشار الأسد في كل عواصم العرب والعجم.
رأي الكاتب المغربي: ادريس هاني
المصدر: صحيفة تشرين