عام ينقضي على معركة طوفان الأقصى والشعب الفلسطيني يخط بمقاومته ودمائه وثباته تاريخاً جديداً، بعدما اندفعت في مثل هذا اليوم من العام الماضي نخبةً من مقاوميه من قطاع غزة إلى الأراضي المحتلة عام 1948 لتسطر ملحمة نصر استثنائية حطمت صورة المحتل الإسرائيلي الذي زعم أنه لا يقهر، وكسرت الأوهام التي رسمها حول نفسه.
عند السادسة والنصف من صباح السبت السابع من تشرين الأول 2023، غداة الذكرى الـ 50 لحرب تشرين التحريرية، باغتت المقاومة الفلسطينية العدو الإسرائيلي بآلاف الصواريخ، مستهدفة تل أبيب وعشرات المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1948، فيما دوت صافرات الإنذار في 160 مستوطنة بدءاً من أطراف القطاع وصولاً إلى تل أبيب لتدب الرعب بين المستوطنين وجنود الاحتلال، وتجبرهم على الاختباء في الملاجئ.
وبينما كانت الأنظار تتجه إلى حيث سقطت الصواريخ كان أكثر من 1000 مقاوم فلسطيني يتقدمون باتجاه هدفهم الرئيسي، ويخرقون تحصينات الاحتلال على أطراف القطاع، ويقتحمون المستوطنات المحاذية له جواً وبراً وبحراً، عبر عمليات إنزال جوي بالمظلات، وانقضاض بعشرات المسيرات على مواقع العدو واقتحام بري، ليشتبكوا مع جنود الاحتلال ومستوطنيه في مستوطنة سديروت ومواقع أخرى، وقتلوا عدداً من جنود الاحتلال ومستوطنيه وأسروا آخرين، بينما نفذت خمسة زوارق محملة بمقاتلي الكوماندوز البحري للمقاومة عملية إنزال ناجحة على شواطئ جنوب عسقلان المحتلة، وسيطرت على مناطق عدة وكبدت العدو خسائر فادحة.
بعد ساعة ونصف على ذلك، أعلنت المقاومة بدء معركة طوفان الأقصى، رداً على اعتداءات الاحتلال اليومية على المسجد الأقصى وجرائمه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني في ظل دعم أمريكي وغربي غير محدود، مؤكدةً أنها قررت وضع حد لكل ذلك ليفهم العدو أن الوقت الذي يعربد فيه دون حساب قد انتهى.
الاحتلال سارع للإقرار بأن ما حدث شكل صدمة له، وفشلاً استخباراتياً هائلاً، حيث كان هناك ارتباك كبير في التعامل مع عدد غير مسبوق من الصواريخ استهدفت المستوطنات واقتحام أكثر من 1000 مقاوم فلسطيني المستوطنات المحاذية للقطاع والسيطرة عليها، ليرد على طوفان الأقصى بحرب إبادة جماعية أسفرت حتى الآن عن استشهاد وإصابة وفقدان 150 ألف فلسطيني في القطاع، وتشريد أكثر من مليونين، وتدمير 86 بالمئة من بنيته التحتية، وتحويله إلى كومة من الركام وأكبر مقبرة مفتوحة في العالم، بعد قصفه جواً وبراً وبحراً بأكثر من 85 ألف طن من المتفجرات بما فيها المحرمة دولياً زوده بها، ويستمر بذلك داعمه الرئيسي الولايات المتحدة وأتباعها في الغرب.
بالتوازي مع حربه على القطاع شن الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول عدواناً واسعاً على الضفة الغربية، عبر تصعيد اقتحامات المدن والقرى والاعتداء على أهلها، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 600 فلسطيني، فضلاً عن إصابة واعتقال الآلاف، إلى جانب توسيع الاستيطان الذي مزق مع مئات الحواجز العسكرية أوصال الضفة وفصل شمالها عن جنوبها، ورغم همجية الاحتلال في قمع المقاومة بالضفة إلا أن أبطالها نفذوا عشرات العمليات البطولية فيها وفي الأراضي المحتلة عام 1948، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
إرهاب الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني دفع المقاومة في لبنان واليمن والعراق لإسناده ودعمه، مستهدفة بالصواريخ والمسيرات عمق كيان الاحتلال، حيث أجبرت المقاومة اللبنانية المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة على الهروب جنوباً، بعد أن أمطرتهم بآلاف الصواريخ مكبدةً العدو خسائر كبيرة دفعته لتوسيع نطاق حربه العدوانية لتشمل لبنان، وتصعيد اعتداءاته على الأراضي السورية، وقصفه مناطق عدة في اليمن، لتمتزج دماء المقاومين في جبهات الإسناد مع دماء الشعب الفلسطيني على طريق تحرير فلسطين من نير الاحتلال.
حرب الإبادة جعلت كيان الاحتلال في عزلة دولية غير مسبوقة، تمثلت بانتفاض شعوب العالم قاطبةً لنصرة الشعب الفلسطيني في معركته لنيل حريته، إذ لم تتوقف المظاهرات في القارات الخمس منذ الأيام الأولى للحرب، مطالبةً بوقف آلة القتل الإسرائيلية، الأمر الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات العالم ووجه البوصلة إليها من جديد، ليسجل ذلك إخفاقاً جديداً للاحتلال الذي حاول جاهداً على مدى عقود إخفاء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يستمر بارتكابها منذ نحو مئة عام بحق الشعب الفلسطيني.
وللمرة الأولى في تاريخه يمثُل كيان الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، بينما ينتظر بنيامين نتنياهو وكبار مسؤولي الاحتلال صدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في إجراء لم يخطر ببال الكيان أنه سيحدث يوماً، بعد أن تمكن بفضل الحماية الأمريكية والغربية له من التنصل من تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة المطالبة بوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب ورفض تهجير أهله.
عام مضى وبدأ آخر والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات الجسام، ورغم الفاتورة الباهظة التي يدفعها من شهداء وجرحى، وهدم المنازل والبنى التحتية، والتنقل بين الخيام البالية الممزقة والنزوح تحت القصف والتدمير، إلا أنه بقي شامخاً عصياً على كل محاولات التهجير والاقتلاع، ثابتاً في أرضه ووطنه، وصنع بطوفان الأقصى وما تبعها حدثاً فارقاً في نضاله، أسقط إلى الأبد نظرية الردع التي حاول الاحتلال فرضها منذ قيامه، وفتح الباب أمام المقاومين الأحرار للالتحام مع المقاومة الفلسطينية، ليبقى طوفان الأقصى مستمراً حتى تحرير فلسطين.