للرسم آفاق متعددة ومتباينة وتمتاز عن بعضها البعض سواء في التقنية أو الأسلوب أو الموضوعات التي تتطرق إليها ولكن تبقى الطبيعة الأم مقصداً للكثيرين كونها تمتلك عناصر روحية مفعمة بالحياة وما يزيد جماليتها المنازل الريفية المتواضعة التي باتت من الذكريات، وهذا ما شكل لدى الشاب خالد غانم دافعا لتجسيدها برسومات ومجسمات خشبية تعكس ثقافة البيئة الريفية.
إعادة إحياء التراث وخاصة للمنازل القديمة من خلال صنع المجسمات ليست بالأمر السهل وخاصة للأجيال القادمة لتكون كمثال حي يروي لهم ما كانت عليه سابقاً، بتلك الكلمات بدأ الشاب خالد غانم 42 عاماً من قرية العنازة بريف طرطوس حديثه لمراسل سانا، مبيناً أنه يعشق الرسم منذ صغره كونه يعيش ضمن بيئة خلابة تمتاز بموقعها الجبلي البعيد عن المدينة.
وأوضح خالد أنه تعلم الرسم من تلقاء نفسه منذ أن كان عمره 16عاماً لشغفه وولعه به، حيث لازم قريبه الفنان التشكيلي علي عثمان بمرسمه بدمشق يراقبه عن كثب ممعناً النظر بالألوان التي يستخدمها وطريقة مزجها وخفة ريشته وانسيابها على اللوحة ليتمكن خلال مدة قصيرة من إشباع مخيلته بجميع الأسس والحركات والمعلومات التي يحتاج إليها ليتقن الرسم بشكل ملفت للنظر، مستخدماً الألوان الزيتية ما أثار إعجاب قريبه الذي شجعه على متابعة الرسم.
وأضاف: إنه انقطع عن الرسم لأربع سنوات متواصلة نتيجة ظروف مر بها إلا أن سعيه المتواصل للرسم مكنه من العودة مجدداً والتعمق بمدلولات الصورة ورمزية الألوان بها ليجسدها على قماش الكانفاس بأحجام مختلفة، مستخدماً الألوان الزيتية التي تمتزج مع بعضها البعض بشكل جيد وتساعد في الحفاظ على رونق الصورة مع مرور الوقت، مشيراً إلى أنه لا يميل إلى رسم الوجوه الصامتة كونه لا يرى بها حياة، ولا إلى استخدام الرصاص والفحم بل يفضل المناظر الطبيعية التي تمتاز بالتجدد والتغيير وقدرتها على ترك انطباع إيجابي للناظر إليها ليجد بها الطمأنينة بعيداً عن صخب المدينة والتلوث البصري.
الرسم وفق الفنان خالد يتطلب قدراً كبيراً من التركيز والهدوء، إضافة إلى الموسيقا التي تخلق حالة انسجام وتوافق بين النغمة وحركة الفرشاة على اللوحة وخاصة حين استخدامه لسكين الرسم التي يفضلها كونه يتحكم بشكل كبير في سماكة ونسيج الألوان والخروج بمزيج فريد غير ممكن مزجه حين استخدام الفرشاة فلكل منهما وقعه الخاص وقدرته على جذب نظرة العاشق للفن.
لم يقف خالد عند الرسم فقط، إنما تجاوزه إلى ما يقابله ويجانسه ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً، وهو صنع المجسمات والتحف التي تتكون في معظمها من الطبيعة، مستخدماً قشور جوز الهند والصبار والطحالب والحجر والجبصين وغيرها من توالف البيئة، إضافة إلى الطلاء وتزيينها بالإضاءة ليخرج بها بمجسمات حجمها لا يتجاوز عقلة الإصبع يرى فيها عوالم صغيرة تساعده في التخلص من التوتر والتعب.
ويركز خالد في صناعة التحف والمجسمات الخشبية على المنازل الريفية القديمة والتفنن بأدق التفاصيل لقيمتها التراثية لتشكل فيما بعد مجسماً كاملاً للمنزل والتي تحتاج إلى جهد كبير لتعكس تاريخ الأجداد بشكل صحيح، منوهاً إلى الوقت الطويل الذي يحتاجه للانتهاء من أي مجسم ولوحة وقد يتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر حسب نوع القطعة واللوحة ودقة التفاصيل بها.
وختم خالد حديثه بقوله: لكل منا عالمه الخاص الذي يسعى إلى الحفاظ عليه وتجسيده بأي عمل كان بغية استمرارية وجوده ونقله من جيل إلى آخر، لافتاً إلى سعيه لإقامة معرض خاص به يضم جميع لوحاته ومجسماته الخشبية كون المعارض تعطي للأعمال الفنية رونقا أكثر من الصور على شبكة الإنترنت ومنصات التواصل.