أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة السفير قصي الضحاك أن المنطقة العربية تشهد مرحلة جديدة من عدم الاستقرار ومخاطر الانحدار نحو تصعيد شامل، جراء مواصلة الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بحق الفلسطينيين، واعتداءاته المتكررة على الأراضي السورية، وتهديداته بشن عدوان على لبنان، مشيراً إلى أن هذه الجرائم كشفت حجم نفاق بعض الدول الغربية التي تنصب نفسها راعية لحقوق الإنسان، لكنها التزمت الصمت وغاب حرصها الإنساني المزعوم، ولم تبادر لإنشاء أي آلية أممية لتوثيق جرائم الاحتلال وضمان المساءلة عنها وعدم الإفلات من العقاب.
وقال الضحاك خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم حول الحالة في الشرق الأوسط إن الولايات المتحدة وحلفاءها وبدلاً من السعي لاحتواء هذا التصعيد والعمل على تهدئة الأوضاع واتباع نهج بناء يساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة، غلَبوا مصلحة كيان الاحتلال على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومبادئ ومقاصد الميثاق وصكوك حقوق الإنسان، ووفروا شتى أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي لمجرمي الحرب الإسرائيليين، ومنحوهم الوقت الكافي لمواصلة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني واعتداءاتهم على دول المنطقة، ومنعوا على مدى عقود، مجلس الأمن من تحمل مسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين، ووضع قراراته ذات الصلة موضع التنفيذ لإنهاء الاحتلال الذي كان ولا يزال السبب الجذري لكل الأزمات التي مرت وتمر بها منطقتنا، ومعاناة شعوبها.
وأوضح الضحاك أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي وداعميه في غزة كشفت حجم النفاق الذي تمارسه بعض الدول الغربية، إذ التزم أولئك الذين نصبوا أنفسهم رعاة لحقوق الإنسان في حكومات تلك الدول الصمت المطبق، وغاب حرصهم الإنساني المزعوم، ولم يبادروا لإنشاء أي آليات أممية لتوثيق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال علناً، وضمان المساءلة عنها وعدم الإفلات من العقاب، لا بل نصبوا أنفسهم مدافعين عن سلطات الاحتلال، والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها، وهددوا آليات قضائية أوجدوها هم أنفسهم لاستهدافِ دول بعينها، وسعوا لتكميم أفواه كل من يطالب من رعاياهم بوضع حد لتلك الجرائم، لافتاً إلى أن موقفهم هذا يؤكد ضرورة مراجعة الدول الغربية لسياساتها التي تقوض النظام الدولي متعدد الأطراف، والمنظمات الدولية التي اتجهت إرادات الدول لإنشائها.
وأشار الضحاك إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها وظفوا على مدى سنوات طويلة، شعارات “حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحكم الرشيد” وغيرها للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية والعديد من الدول وزعزعة أمنها واستقراراها، ومحاولة تغيير الحكومات الشرعية بالقوة، لافتاً إلى أن الأمر لم يقتصر على ذلك، بل عمدت تلك الدول إلى توظيف أجهزة الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى لاستهداف سورية، عبر إصدار تقارير مسيسة شرعت الباب لاعتماد قرارات لا توافقية، وإنشاء عدد من لجان التحقيق وفرق تحديد المسؤوليات وآليات المساءلة، وكان القاسم المشترك لتلك الآليات ولا يزال، افتقارها للشرعية، والطابع المسيس لعملها، وابتعادها عن المهنية والموضوعية والمصداقية.
وبين مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن معاناة الشعب السوري مستمرة جراء الإجراءات القسرية الغربية الانفرادية، إذ طالت آثارها الهدامة جميع جوانب الحياة اليومية، وألحقت أضراراً بالغة بمختلف القطاعات الحيوية بما فيها تلك التي أكدت قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالشأن الإنساني ضرورة دعمها، أي قطاعات الصحة، والمياه، والإيواء، والتعليم، والكهرباء، موضحاً أن استهداف الإجراءات القسرية للقطاعات التي تلبي احتياجات المواطن السوري وتكفل تمتعه بحقوقه الأساسية أسوة بنظرائه من شعوب العالم، يكشف زيف مزاعم الدول التي تفرض تلك الإجراءات، متسائلاً: كيف يمكن للحصار وتجويع الشعوب وحرمانها من المعدات الطبية والأدوية أن يصب في مصلحة تلك الشعوب وأمنها واستقرارها؟ وكيف يمكن تحقيق تحسن فعلي في الأوضاع الإنسانية من دون توفير الكهرباء باعتبارها عصب الحياة الاقتصادية وحاجة أساسية لتمكين المواطن السوري من ممارسة أعماله اليومية وكسب قوته؟.
ولفت الضحاك إلى أن الأمر لا يتعلق ببناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية، بل بمجرد توفير قطع الغيار وأعمال الصيانة اللازمة لها، والتي ترفض الشركات المصنعة تقديمها خشية التعرض للعقوبات الأمريكية الجائرة، مبيناً أنه رغم المناشدات المتواصلة، فإن بعض الدول مصرة على أن يعيش الشعب السوري في الظلام لساعات طويلة يومياً، بعد انتصاره على الظلام الذي حاولت التنظيمات الإرهابية فرضه عليه، مجدداً التأكيد على ضرورة قيام الأمانة العامة للأمم المتحدة بإصدار الدراسة المتعلقة بآثار الإجراءات القسرية على العمل الإنساني في سورية بالسرعة الكلية.
وطالب الضحاك الأمم المتحدة بتكثيف جهودها لدعم الشعب السوري، وحث المانحين للكف عن تسييس العمل الإنساني والتنموي في سورية، وتوفير التمويل المطلوب للمساعدات الإنسانية ومشاريع التعافي المبكر، ودعم تحقيق أهداف التنمية، إذ لم تزد نسبة تمويل خطة الاستجابة الإنسانية على الـ 12 بالمئة وقد تجاوزنا منتصف العام، وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على حياة السوريين، وسيدفع المزيد منهم للهجرة بحثاً عن فرص عمل، كما سيحد من نتائج جهود الدولة لتوفير الظروف المواتية لعودة اللاجئين.
وأعرب الضحاك عن إدانة سورية قيام البعض بثني جهات مانحة عن دعم العمل الإنساني، وتعمد إطالة معاناة الشعب السوري، بهدف الضغط للحصول على تنازلات لا تنسجم ومصلحة سورية وشعبها، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي تؤكد فيه جميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وجوب الاحترام التام لسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، يستمر الوجود غير الشرعي لقوات الاحتلال التركي والأمريكي على أجزاء من الأراضي السورية، وتستمر ممارساتها المزعزعة للأمن والاستقرار.
وأشار مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة إلى استمرار معاناة أكثر من مليون من أهلنا في مدينة الحسكة وريفها، جراء حرمانهم من المياه لمدة تزيد على 10 أشهر نتيجة اعتداءات قوات الاحتلال التركي والميليشيات العميلة للاحتلال الأمريكي على محطة مياه علوك، الأمر الذي يستوجب وضع حد لتلك الممارسات العدوانية بالسرعة الكلية.
وأكد الضحاك حرص سورية على إنجاز الاستحقاقات الدستورية الوطنية في موعدها الدستوري بما يعزز دور مؤسسات الدولة ويصون سيادة وأمن واستقرار البلاد، حيث تجري حالياً الاستعدادات لانتخابات مجلس الشعب التي يتنافس فيها 8953 مرشحاً لشغل مقاعد المجلس الـ 250، مجدداً التزام سورية بعملية سياسية بقيادة وملكية سورية دون أي تدخل خارجي، وفي ظل الاحترام التام لسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، معرباً عن التطلع إلى نجاح جهود المبعوث الأممي في عقد الجولة التاسعة للجنة مناقشة الدستور في أقرب وقت ممكن، في العاصمة العراقية بغداد.