يزخر الساحل السوري بغنى مائدته من “المأكولات التراثية” التي حافظت على وجودها على موائد أهالي المنطقة منذ مئات السنين، وارتبط حضور الكثير منها ببعض المناسبات الاجتماعية، وقد تكون بحرية لقربها جغرافياً من البحر مثل مأكولات ثمار البحر.
ووفقاً للباحث في التراث اللامادي بسام جبلاوي الذي أوضح في حديثه لسانا أن من أشهر المأكولات التراثية في الساحل السوري “القمحية” والتي يحرص معظم الأهالي على إعدادها في مناسبات عدة مثل عيد القديسة “بربارة”، ويتم تحضيرها من القمح المقشور والمنقوع بالماء الساخن، ثم يطبخ باللحم والسمن ويسميها البعض بـ “الهريسة”، واللفظ مأخوذ من هرس القمح أي بمعنى دقّه، ويمكن أن يؤكل على شكل “مرق” سائل أو يتم هرسه مع اللحم، ويختلط مع بعضه حتى يصبح متماسكاً، ويمكن تناوله ساخناً أو بارداً.
ثم يأتي طبق “الكبيبات بالسلق” ثاني أشهر هذه الأطباق التراثية، ويستخدم البرغل لإعداد الكبة المشهورة، ويتم حشوها بنبات السلق كبديل للحم، وتطهى عن طريق السلق بالماء المغلي على الحطب، وعند التقديم يضاف إليها خليط الثوم المدقوق ودبس الفليفلة وعصير الليمون وزيت الزيتون الساحلي الدسم والمعروف بـ “زيت الخريج”.
وأوضح جبلاوي أن “الكبيبات بالسلق” تعد أحد الأطباق الرئيسية في احتفال أهالي الساحل السوري برأس السنة الشرقية، أو كما تسمى محلياً بـ “عيد القوزلة” والذي يعد موروثاً وتقليداً شعبياً تحافظ عليه بعض القرى في الساحل منذ مئات السنين، مبيناً أن كلمة “قوزلة” تعني في الكنعانية نهاية شيء وبداية شيء آخر، وفي الآرامية تعني بداية الشيء، وفي الآشورية “قوزلو” تعني إشعال النار.
وأشار جبلاوي إلى أن تقديم طبق الكبيبات بالسلق بهذه المناسبة يعتبر من عادات تكريم الضيف نسبة للمجهود الكبير في إعدادها ونكهتها ومذاقها اللذيذ، لافتاً إلى أنه يتم إعداد “الزِنكُل” أو زلابية بهذه المناسبة، وهي عبارة عن رقائق عجين محشوة باللحم والبصل متطاولة الشكل يتم قليها بالزيت، ومنها ما يتم قليه بالزيت بلا حشوة “الزليبة”، فيما كانت تكتفي الجدات قديما برش العجين بالملح وإضافة حبة البركة والسمسم، وهي ذات طعم شهي ومميز وتسمى “كماجة”.
ولكون البحر يشكل هوية متفردة لأهل اللاذقية فقد تفنن سكان هذه المحافظة في طرق طهو السمك فكانت الصيادية والسمكة الحرة أحد أشهر وألذ الأطباق الرئيسية عند استقبالهم للضيوف من خارج المحافظة.
وعن طريقة طهوها قال جبلاوي: يتم سلق السمك مع الأرز وإضافة التوابل إليهما، ثم يوضع لحم السمك فوق صحن الأرز عند تقديم الطبق، أما طبق السمكة الحرة فهو سمك يطهى بطريقة ينفرد بها طهاة الساحل، حيث يتبل السمك بالتوابل الحارة ويحمر بقليل من الزيت، ويضاف إليه زيت الزيتون ودبس الفليفلة والجوز والثوم وعصير الليمون.
وبين أنه قديماً كانت توضع السمكة في الفرن الحجري “التنور” والذي لايزال يستخدم حتى يومنا هذا في إعداد الفطائر الشهية للمسافرين عبر ريف اللاذقية والتي تسمى بفطائر التنور، إضافة إلى خبز التنور.
وأشار إلى أن هناك طبق الكبة بالسمك، والذي عرف فيه أهل اللاذقية قديماً عن طريق جبل البرغل بلحم السمك بدلاً من لحم الضأن، موضحاً ارتباط معظم المأكولات التراثية، وتحديداً الكبة بالأمثال الشعبية اللطيفة.
وبين أن الطبق التراثي الأكثر انتشاراً في الساحل السوري “البرغل بحمص المطهو بمرق اللحم والذي يعتبر تقليداً تراثياً في الأعياد والمناسبات، ويتم طبخه في هذه الحالة في أوعية كبيرة جداً تسمى “الدست” وهو وعاء كبير مصنوع من النحاس الأصفر، ويمكن أيضاً إعداده في المقلي المصنوع من الفخار، ويطهى على نار الحطب المتوسطة، ولإعداده تقوم أولاً بسلق لحم الخاروف أو الدجاج مع الحمص في الماء مع إضافة المطيبات ثم يضاف البرغل وبعد نضجه يسقى بزيت ” الخريج أو زيت الزيتون العادي، وهو من ألذ الأطباق الريفية الساحلية.
وبالنسبة للحلويات التي تتفرد بها محافظة اللاذقية تأتي “حلوى الجزرية” في المقدمة، وهي عبارة عن الجزر المطحون المضاف إليه سكر وماء الزهر، وتغلى جيداً مع بعضها، ومن ثم تضاف المكسرات مثل الجوز أو اللوز أو الفستق الحلبي.
ومن الحلويات الشعبية المشهورة أيضاً والتي تمتلىء بها أسواق اللاذقية “مربى القرع” المقرمش، والذي يتم إعداده عبر نقع القرع بالكلس من ثم غسله وإضافة السكر والليمون وغليه لمدة ساعتين تقريباً.
وهناك حلوى الهيطليِّة أو “الهيلطية” ويتم إعدادها من الحليب والنشاء والسكر، ويكون قوامها عادة طريّاً، ومن العادات القديمة كان الأهالي يتناولون “هيطلية النشا” بعد الكبّة بالسمك، حيث كانت تقدم بصحون وملاعق خاصة صيفاً، وهي ضيافة محلاة بالدبس ومبردة بالثلج.
ويعتبر “المعمول بالجبن” من الحلويات التي كانت تتفرد بها اللاذقية قديماً وتصنع في الفرن بمكونات معروفة، وهي السميد والطحين والسمن والجبن، إضافةً إلى بعض المطيّبات مثل الهال والقرفة وماء الزهر ثمَّ يقدَّم ساخناً مزيّناً بالسكر المطحون، وقد ارتبط تناول هذه الحلوى قبل بدء الصيام بيوم عند الطوائف المسيحية في محافظة اللاذقية، ويطلق عليها اسم “مَرفَع الجبن” أي يوم رفع الجبن عن الطاولة والتوقف عن تناوله.
وهناك حلوى “الكرابيج” وتصنع من عجين السميد المجبول بالسمن المحشو باللوز أو الجوز والسكر وتخبز، ويقدم معها الناطف “الناضف” وهو القطر الممزوج بماء وعرق الحلاوة ويرش عليها مدقوق القرفة.