عمليات بتر أطراف دون تخدير وسحب شظايا من أجساد الأطفال واحدة تلو الأخرى دون مسكن أو معقم، وأيتام مصابون لا يوجد من يرعاهم أو يهدئ روعهم .. كلها حالات تكرر مرورها على الجراح الأمريكي عرفان غالاريا الذي تطوع في منظمة إغاثة إنسانية لأيام معدودة في غزة ووصف ما شهده بأنه ليس مجرد حرب على الفلسطينيين بل إبادة جماعية.
غالاريا تحدث في مقال نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية عن الفظائع التي يشهدها الفلسطينيون جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ووصف ما رآه من ويلات يتعرض لها الأطفال والنساء والمدنيون بأنه رواية رعب وبؤس كامل، حيث يتدفق المصابون بالعشرات على المستشفى الأوروبي دون وجود أي دواء أو مسكن أو إمكانية لعلاجهم.
وأشار غالاريا إلى أنه منذ اللحظة التي وصل فيها مع الفريق الطبي إلى جنوب قطاع غزة بتاريخ الـ 29 من كانون الثاني الماضي بدأت رائحة الموت والخوف وأصوات “الطنين” المستمر للطائرات المسيرة في سماء غزة بصم آذانهم وتحدث عن رؤيته صفوفاً من الخيام المنصوبة التي تحجب الأفق وتسد الطرقات أثناء توجهه إلى المستشفى مباشرة تحت القصف الإسرائيلي المستمر.
وقال غالاريا: إن المشفى يزدحم بالمصابين والشهداء والعائلات التي تتكدس فوق بعضها على أمل الهرب من القصف الإسرائيلي، مشيراً إلى أن عدداً محدوداً جداً من الجراحين الفلسطينيين بقوا في المستشفى، حيث تم اعتقال أو قتل البقية على يد قوات الاحتلال، أما الجراح الذي كان عليه أن يناوب داخل المستشفى فكان عليه أن يبقى 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع بعد أن دمر القصف منزله وكل ما بقي له من ممتلكات شخصية مجموع في حقيبة يد صغيرة.
وأوضح غالاريا أنه كان يجري ما بين 10 و12 عملية كل يوم في غرف عمليات تهتز تحت وقع القصف الإسرائيلي المتتابع، وكانت العمليات الجراحية تتم في أوضاع غير طبيعية وبمعدات محدودة غير معقمة وبدائية، مبيناً أن عمليات بتر الأذرع والأرجل للمصابين كانت تجري يومياً باستخدام منشار جيغلي القديم الذي يتكون في أساسه من قطعة من السلك الشائك.
وتابع الكاتب الأمريكي وصف حال المصابين الذين يتوافدون إلى المستشفى بأنهم كانوا في جلهم نائمين في بيوتهم عندما تعرضوا للقصف، وإن المحظوظين منهم هم من استشهدوا ولم يروا كل العذاب والمعاناة بعد إصابتهم، أما بالنسبة للأطفال الأيتام فليس بالإمكان إحصاء عددهم أو معرفة من سيتولى رعايتهم وهم مصابون أو كيف يمكن لهم البقاء على قيد الحياة.
وقال غالاريا: إن دفعة من الأطفال المصابين الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثامنة وصلت أثناء عمله في المستشفى وجميهم مصابون برصاصة قناص إسرائيلي، وكل ذلك وقع أثناء عودة عائلاتهم إلى خان يونس وبعد انسحاب الدبابات الإسرائيلية لكن يبدو أن القناصة ظلوا في مواقعهم ولم ينج أحد من هؤلاء الأطفال.
وختم غالاريا وصفه لما رآه من فظائع وويلات في غزة بأنه لا يمكن أن يتعايش مع فكرة أنه مواطن أمريكي يدفع أموال الضرائب لتكون ثمن أسلحة يمكن أن تصيب أو تقتل أحد الفلسطينيين المرضى الذين كان يعالجهم في غزة وتحدث عن شعوره بالذنب بعد أن تمكن من المغادرة تاركاً ملايين الفلسطينيين ممن لا مهرب لهم ليبقوا في هذا الجحيم داخل غزة.