الناقد الدكتور ثائر عودة لـ سانا: تواضع المنتج الأدبي يؤدي لتراجع النقد والكثير من النقاد يعيشون حالة انفصال

يكتب الناقد الدكتور ثائر عودة في النقد العربي الحديث وفق المنهج العلمي والتطبيقي، ويهتم بالأدب العربي وتاريخه والقضية الفلسطينية وما كتب عنها من نصوص عربية وغير عربية، وذلك بشكل استقصائي، كما يتابع الأدب القادم من الأرض المحتلة.

وفي حديث لـ سانا الثقافية قال الناقد عودة: إن النقد عملية تفكيكية من ثلاثة وجوه للنص الأدبي، الأول هو الشرح والتفسير والثاني هو التحليل واستنطاق الخطاب الأدبي ومحاولة الدخول إلى قصدية المؤلف وغاياته والثالث هو عملية التقييم والحكم على العمل الأدبي، مشيراً إلى أن الفارق الرئيس بين الإبداع والنقد هو أن الابداع يقوم بالتركيب والبناء في حين أن النقد يقوم بعملية تفكيك البنى الإبداعية.

وبين عودة أن النقد في أبسط مفهوماته التقليدية هو إنشاء عن إنشاء هو الإبداع، فإذا كان مزدهراً وطاغياً في المشهد الثقافي فبالضرورة أن يكون الإنشاء الآخر هو النقد ليكون مزدهراً ومعافى، وإذا عدنا قليلا حسب عودة إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لوجدنا حالة الانسجام بين الإبداع والنقد، مبيناً أنه بازدهار النصوص الأدبية لكبار الكتاب في كل الأجناس الأدبية ازدهر النقد العربي الحديث وأفرز أعلاماً في مجالات النقد كافة، وهذا يعني أن النقد العربي الآن يتراجع بسبب تراجع الإبداع العربي.

ورأى الناقد عودة أن النقد وأصحابه في وقتنا الحاضر يعيشون حالة انفصال عن الواقع الأدبي ونلاحظ هيمنة التنظير والإغراق في القضايا النظرية عند كثير من النقاد العرب بسبب الافتراق عن النص الأدبي المعاصر.

وأشار الدكتور عودة إلى أن مسألة الخلط بين الأجناس الأدبية أوقعت كثيراً من المبدعين وخاصة الشباب في ضعف بامتلاك المفاهيم الأساسية لكل جنس من الأجناس، ففي النثر تختلف الخاطرة عن القصة القصيرة والرواية ولكل حقل من هذه الحقول شروط ومحددات، وكذلك الحال فيما يتعلق بفن العرب الأول الشعر، فإذا لم يمتلك هذا القادم إلى حقل الإبداع شروط ومحددات كل جنس من هذه الأجناس فإنه سيقع في الخلط والثرثرة والسطحية.

وتابع الناقد عودة: إن الإبداع العربي جزء أساسي من مكونات الهوية العربية والكاتب الذي ينتج عملاً سطحياً لا قيمة له فإنه يضعف الهوية ويحدث قطيعة مع نهر الإبداع العربي عبر العصور، ونحن نفهم جيداً مقولة الشعر ديوان العرب، لافتاً إلى أن الديوان هو كتاب يحفل بالتاريخ والوقائع والحياة العامة لأي أمة من الأمم فإذا ما خطت في هذا الكتاب أسطر سطحية لا قيمة لها فإنها ستضعفه وتضعف هذا التاريخ وهذا الواقع.

وقال الناقد عودة: إن تراجع الأدب يؤدي إلى تراجع النقد فإذا ما أنتج أشباه الكتاب نصوصاً متواضعة فبالتالي سيتبعه نقد أو شبه نقد متواضع وتطفو على سطح المشهد الثقافي عند ذاك طفيليات أدبية يحتفل بها ويعتنى بها وتتقدم المنابر، وهي لا تستحق كل هذا الاحتفاء.

ورأى عودة الكارثة في هذا المشهد أن يتقدم ناقد ممتلك لأدواته المعرفية ومشهود له في مجاله ليحتفل بكاتب أو كاتبة لا تستحق هذا الكيل من المديح والثناء.

وإذا كان من مهام النقد الأساسية هي تمييز العملة المزيفة من الأصيلة فما أقسى المشهد عندما يقوم بهذا التزييف ناقد (صيرفي) يعلم مسبقاً بأنه يروج لأدب مزيف.

وأكد الدكتور عودة أن من الارتدادات السلبية لهذه العميلة أن كثيراً من النصوص الحقيقة لمبدعين صادقين قد تبقى طي الإهمال والغفلة ولا تأخذ حقها الطبيعي في الساحة الثقافية.

وأوضح عودة أنه إذا كان جزء كبير من المشهد الثقافي يعاني من أشباه المثقفين فإن البناء الثقافي العربي بموروثه الزاخم وبنهضته المعاصرة قبل قرن من الزمان وأكثر لا يمكن أن يهدم بسهولة، فنحن ورثة ثقافة موغلة في الزمن كانت في يوم من الأيام منارات العلم والمعرفة في دمشق وبغداد والقاهرة وغيرها، وهذا الجسد العربي مهما تعرض لموجات انخفاض وتراجع فإنه سيعود معافى قويا بالاتكاء على موروثه وأصالته، وبالتالي فإن علينا أن ننظر بإيجابية إلى المشهد الإبداعي والنقدي، لأنه في المحصلة الأخيرة النص الحقيقي سيطرد النص المزيف والرديء لأن الثقافة العربية الأصيلة هي قلعتنا الأخيرة.

يذكر أن الدكتور ثائر عودة يعمل أستاذا جامعيا في دولة الإمارات منذ أكثر من ربع قرن في كلية الآداب والتربية وفي حقلي النقد والأدب العربي الحديث وهو خريج جامعة دمشق.

ومن مؤلفاته النص الروائي الفلسطيني ونقد النقد والمخيم في الأدب الفلسطيني وبنية النص السردي عن الروائي غالب هلسا، والنقد العربي الحديث – الاستجابات الأولى ومهارات الاتصال الفعال باللغة العربية، وله العديد من الأبحاث في الوسائل الإعلامية والدوريات وحاز عدداً من الجوائز أهمها جائزة البحث المتميز في المؤتمر الدولي للغة العربية في ماليزيا عن بحثه الموسوم الهوية العربية وعلاقتها بالأدب العربي وغير ذلك.