مؤتمر التراث الثقافي (جسر السلام) في اليوم الثالث من أيام (الوردة الشامية.. من سورية إلى تورينو)

عقد اليوم في مدينة تورينو الإيطالية مؤتمر التراث الثقافي “جسر السلام”، وهو ضمن أنشطة اليوم الثالث من أيام ” الوردة الشامية.. من سورية إلى تورينو” التي تنظمها المتاحف الملكية في تورينو والأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع منظمة “سانتاغاتا” لاقتصاد الثقافة.

وتحدث في المؤتمر الذي استضافته قاعة الاحتفالات في القصر الملكي بمدينة تورينو، الدكتور همام سعد معاون مدير عام مديرية الآثار والمتاحف، كما شارك في المؤتمر نخبة من خبراء الآثار في إيطاليا وعلى رأسهم باولو ماتييه مكتشف إيبلا والحائز على وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.

وأكد الدكتور سعد أنه رغم الحرب على سورية وما لحقها من إجراءات اقتصادية قسرية جائرة بحق الشعب السوري ورغم الظروف القاسية، إلا أن الإنسان السوري بقي يبدع في مختلف مجالات الحياة، مبينا أنه من خلال التجربة التي عشناها في سورية بقيت الثقافة على مختلف أنواعها فعلاً إنسانياً ضرورياً.

وأشار الدكتور سعد إلى أن تراكم الثقافة في سورية من تراث وعادات وتقاليد وأدب وغير ذلك عبر الحقب الزمنية المختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى اليوم، جعل من التراث الثقافي أهم أداة لتوحيد الناس، مبيناً أنه في المجتمعات التي خرجت من الحروب يصبح التراث الثقافي وسيلة مهمة لإعادة اتصال أفراد تلك المجتمعات بهويتهم وبحثهم عن التسامح والتعاون فيما بينهم، للحفاظ على هذا التراث وإعادة إحيائه.

واستعرض الدكتور سعد خلال المؤتمر أهم المواقع الأثرية التي تتوزع على كامل الجغرافيا السورية والتي تضم مختلف أطياف الشعب السوري، موضحاً أنه كان يعمل ضمن هذه المواقع ما يزيد على مئة بعثة أثرية مختلفة الجنسيات، وموزعة حسب الاختصاصات.

وتحدث بشكل مفصل عن عدد البعثات الأجنبية والوطنية والمشتركة منذ عام1960 إلى 2011، مبيناً أن عدد مواسم عمل البعثات المشتركة وصل إلى ما يقارب 673 موسماً، وعدد مواسم عمل البعثات الأجنبية وصل إلى مايقارب 610 مواسم، أما عدد مواسم البعثات الوطنية وصل إلى291 موسماً.

وبين الدكتور سعد أن هذه الأرقام والإحصائيات توضح أنه من خلال هذه البعثات كان يتم تدريب الطلاب ما يمنحهم فرصة التواصل مع الآخر، والعمل الجماعي، والتبادل الثقافي، سواء مع بعضهم البعض أو مع الخبراء الأجانب، لافتاً إلى أنه من خلال هذه البعثات كان يتم أيضا تدريب المهندسين على تقنيات ترميم المباني الأثرية والتاريخية ونوعية المواد المستخدمة ومعرفتهم للمعايير العالمية المتبعة وفهم القيم التاريخية وتبادل الآراء والخبرات حول التجارب العالمية، وتأمين فرص عمل للحرفيين والحفاظ على التقاليد والعادات المحلية الأصيلة ومساعدتهم على ديمونة حرفهم، إضافة إلى توعية المجتمع المحلي بأهمية تراثهم والحفاظ عليه.

وأشار الدكتور سعد إلى أنه بعد عام 2011 تراجع عدد البعثات الأثرية التي كانت تعمل في سورية من 120 بعثة إلى أقل من 20 بعثة على مختلف أنواعها سواء وطنية أو مشتركة أو أجنبية، واقتصر عدد البعثات المشتركة على بعثة واحدة فقط وهي البعثة الهنغارية في قلعة المرقب.

وتساءل الدكتور سعد عن إمكانية أن يكون التراث الثقافي وسيلة لإعادة السلام للمجتمع السوري والذي وضعه برسم المعنيين والمهتمين بالتراث الإنساني وفي مقدمتهم المنظمات الدولية، حيث إنها عندما تكون غير مسيسة وتقوم بواجبها على أكمل وجه، ذلك سيجعل التراث إحدى أهم الوسائل للحوار في مناطق الحروب.

وأكد الدكتور سعد أن عودة البعثات الأثرية للعمل في المواقع الأثرية ستساهم في إعادة بناء مجتمع المعرفة، وبشكل خاص السكان الذين يقطنون بالقرب من تلك المواقع، من خلال إتاحة الفرصة لهم بالعمل والمعرفة وحفظ الذاكرة والحياة اليومية، فكلما ازداد الرابط بين الموقع والسكان يكونون بذلك الحامي الأول للموقع.

كما استعرض الدكتور سعد خلال المؤتمر آخر المكتشفات الأثرية للوحة الفسيفساء بالرستن في محافظة حمص، مبيناً أهمية اكتشافها على المستوى العالمي وضرورة إنشاء متحف في المكان نفسه، ودور المجتمع المحلي في تضافر جهوده مع المعنيين في حماية اللوحة.

وفي ختام المؤتمر استعرضت الخبير الاستشاري في الأمانة السورية للتنمية ريم صقر الاقتراحات المقدمة فيه، ومنها الدور المحتمل للمتاحف وآلية تفعيلها، وإيجاد طرق للمشاركة الفعالة للمجتمع المحلي، وأهمية تخصيص الموارد المرافقة لمبادرات التدريب، بالإضافة إلى آلية التعامل مع الإجراءات الاقتصادية القسرية المفروضة على سورية منذ سنوات عديدة.

وأكدت صقر أن مشروع الوردة الشامية في تورينو بنى جسراً للصداقة والسلام، وسمح للثقافة بالقيام بما يُفترض القيام به، معربة عن تقديرها لجهود المتحف الملكي، ومنظمة سانتاغاتا، وجميع من شارك في نجاح هذا المشروع الثقافي المهم.

وختمت صقر بالقول: “بعد انتهاء هذا الأسبوع الحافل بالأنشطة وما عملنا عليه من زراعة بذور الوردة الشامية في حدائق المتحف وفي أذهان الناس فإن ذلك هو الخطوة الأولى، وعلينا تحصين ومساعدة البذور التي زرعت على النمو بأفضل الأجواء، وتحفيز الناس على التفاعل مع مشروع الوردة الشامية ليكون هناك حياة أفضل لمجتمعاتنا ولبلداننا”.

والمؤتمر الذي عملت على إدارته إلى جانب ريم صقر الأمين العام لمؤسسة سانتاغاتا اليسيو ري، شاركت فيه مديرة المتاحف الملكية في تورينو انريكا باجيلا وأمينة الفن الآسيوي وعلم الآثار في متحف مونتريال للفنون الجميلة لورا فيجو، وسارة ابرام والأمين العام لمؤسسة الحفظ والترميم “لافينيرا ريال”.

كما شارك أيضاً في المؤتمر أستاذ علم الآثار وتاريخ الفن الإيراني بجامعة تورين فيتو ميسينا، والأستاذ المشارك في علم الآثار وتاريخ الفن في الشرق الأدنى القديم بجامعة تورين تشارلز ليبوليس، والأستاذة المشاركة في قسم الثقافة والسياسة والمجتمع بجامعة تورين روزيتا ديبيري، والباحث في الترميم المعماري في قسم الهندسة المعمارية والتصميم في جامعة البوليتكنيك في تورينو الدكتور فرانسيس نوفيلي، والأستاذ المشارك في التكوين المعماري والحضري في قسم الهندسة المعمارية بجامعة تورينو المهندس ديفيد رولفو.

ومن المقرر أن تختتم أيام ” الوردة الشامية.. من سورية إلى تورينو” اليوم بأمسية موسيقية كلاسيكية في المسرح الروماني في مدينة تورينو التاريخية، على أن يستمر معرض الصور الفوتوغرافية، والمجسم الفني للوردة الشامية الذي يتضمن الحرف التقليدية السورية، ليكون متاحا للزوار في الحدائق الملكية الإيطالية لغاية الأول من شهر تشرين الأول المقبل.