“ساروجة” حكاية تاريخية لا تنتهي

وبلغ حجم الضرر جراء الحريق الذي لحق بقصر أمير محمل الحج الشامي أوسع مداه، وأدى لفقدان الكثير من أجزاء هذا البيت حسب المدير العام لمديرية الآثار والمتاحف نظير عوض، إضافة لانهيار الكثير من اللوحات والمخرجات الفنية والتحف الخشبية، كما أن انتقال الحريق بعدها إلى الجزء الجنوبي من بيت خالد العظم أدى إلى احتراق عدة فراغات كانت تستخدم كفضاء ثقافي تنموي اجتماعي، وكانت وزارة الثقافة تقوم بالترخيص للكثير من الأنشطة الفنية فيه.

وثائق بيت التراث الدمشقي بخير

وعن مصير الوثاثق والأوراق المؤرشفة وحقيقة ما أشيع عن تعرضها للتلف نتيجة حريق يوم الأحد الماضي، نفى مدير عام الآثار والمتاحف ما تم تداوله من إشاعات، واعتبرها أسئلة مشروعة لأي مواطن يتمتع بالحس الوطني والغيرة على تراثه، مطمئناً أن جميع وثائق بيت التراث الدمشقي قد تم نقلها منذ عام 2012 وحمايتها من قبل وزارة الثقافة عبر خطة مدروسة مسبقاً، كما تم نقل بعض أجهزة التخزين من منذ فترة ليست ببعيدة.

ما هي الحدود الإدارية لمنطقة ساروجة؟

كثيرون لا يعلمون الحدود الإدارية لمنطقة ساروجة بدمشق، وحول ذلك بين الدكتور في علم الآثار واللغات القديمة بجامعة دمشق إياد يونس في حديثه لـ “سانا” أن المنطقة تتألف من المحور الرئيسي وهي السوق أو السويقة ويتفرع عنها عدد من الحارات تنبثق عنها أيضاً عدة دروب وأزقة ثانوية.

وأوضح يونس أن منطقة ساروجة لم تكن تاريخياً تحتل مركز المدينة أو وسطها، فهي تقع خارج أسوار المدينة، وإلى الشمال الغربي من قلعة دمشق، وكانت تحدها من الشمال منطقة البساتين الزراعية وعين الكرش، أما من الشرق فتحدها مناطق العقيبة والعمارة البرانية (سوق الهال القديم)، ومن الجنوب البحصة والسنجقدار، ومن الغرب البحصة البرانية والشرف الأعلى، وكان الدخول إلى هذه الأحياء محدداً فقط ببوابات معينة رغم إحاطتها بالبساتين، وهي بوابة الصالحية، وبوابة عين الكرش، والبوابة الواصلة بين (ساحة المرجة) ومحلة البحصة، أو المرور بجوزة الحدباء إلى حي ساروجة.

ساروجة من أقدم المناطق الدمشقية

الحي الواقع خارج سور مدينة دمشق التاريخية “ساروجة” يعتبر من أقدم المناطق الدمشقية حسب المدير العام لمديرية الآثار والمتاحف، حيث بين أن قصر اليوسف يعتبر “استثناء” من جهة العمارة الدمشقية، ويحتوي أكثر من 40 فراغاً وطابقين ومخرجات فنية مهمة، ويتضمن كل أنواع الزخارف المتواجدة عادة في القصور الشامية.

وأشار عوض إلى أن بيت خالد العظم ” بيت التراث الدمشقي” الذي لا يزال على حاله باستثناء بعض أجزائه يوازيه من ناحية الأهمية التاريخية والاجتماعية، إذ احتضن القصران أهم اللقاءات والندوات والمؤتمرات الثقافية والسياسية لكبار الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية في ذلك الوقت.

اقرأ أيضاً: اجتماع في وزارة الإدارة المحلية يناقش وضع خطة عمل لحماية المناطق الأثرية والتاريخية من الحرائق

المباني الأثرية في ساروجة

بالعودة لأهمية حي ساروجة التاريخي وما يتضمنه من ملامح لا تزال “حية”، يقول الدكتور يونس: إنه وبعد إنشائه في عهد المماليك تعرض الحي للتخريب نتيجة صراعات الأمراء في الفترة المملوكية، ما أدى لدمار المدرسة الشامية البرانية برمتها، ليأتي بعدها احتلال تيمورلنك لدمشق عام 803م ويزيد الأمر سوءاً بعد إحراقه المدينة، بعدها أخذت ملامح الحي والسوق تتبدل بشكل كبير، ونظراً لوقوعه خارج سور المدينة القديمة، فقد تميز بسوقه الكبير ومنازله الواسعة وحماماته ومساجده الفخمة.

وتابع يونس: يتضمن حي ساروجة حتى الآن مجموعة من المباني الأثرية التي تعطينا صورة عن تاريخه، ومنها المدرسة الشامية البرانية التي اكتسبت شهرة واسعة، وجامع الورد المعروف باسم “برسباي” نسبة للأمير المملوكي برسباي الناصري، والمدرسة المرادية البرانية، التي أُقيمت في منزل الشيخ مراد علي البخاري، وحمام الورد ويقع خلفه جامع برسباي وزقاق الورد ومسجد القرمشي وبيت العابد.

اقرأ أيضاً: حي القيمرية الدمشقي .. تفاصيل وحكايات

متى تبدأ عمليات البناء والترميم لبيوت ساروجة الأثرية؟

بين مدير مديرية الآثار والمتاحف أن التكلفة التقديرية لإعادة بناء بيت اليوسف الأثري قد تصل لخمسة مليارات ليرة سورية، فيما قد تبلغ تكلفة بناء وترميم آثار الحريق في بيت خالد العظم ملياراً واحداً وهي تكاليف مبدئية وغير نهائية، لافتاً إلى حساسية عملية الترميم سواء لجهة المكان من ناحية، والبناء الخشبي لهذه المعالم من ناحية أخرى.

وباشرت مديرية الآثار بإعداد بعض التقارير المتعلقة بآثار هذا الحريق لعرضها على مؤسسات مهتمة بمجال الآثار، كما تستعد لإعداد تقرير مفصل فور تمكن الفرق الفنية من الدخول إلى العقارات للانطلاق بعمليات البناء في وقت كانت تخطط المديرية بالتشبيك مع وزارة الثقافة لدمج العقارين، لإخراج فضاء ثقافي نوعي بغية الحفاظ على ملامح دمشق العريقة.

وفي السياق ذاته، أكد مدير مديرية الجاهزية في المديرية العامة للآثار والمتاحف سامي صالح أنه ومنذ سماع خبر اندلاع الحريق استنفرت كل الكوادر العاملة من عمال وحراس ومديرين موجودين في بيت التراث الدمشقي وكتلة البيت الدمشقي وتم إخبار الجهات العامة التي تواجدت بالسرعة القصوى، وكان لرجال الإطفاء دور كبير في إخماد الحريق رغم صعوبة التعامل معه، ومرد ذلك بحسب قوله لطبيعة المكان وصعوبة الوصول إلى أبنية دمشق القديمة.

وأوضح صالح أنه تم فتح أبواب بيت التراث الدمشقي بيت “خالد العظم” أمام فوج وعناصر الإطفاء لإخماد الحريق من الأسطح، وقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتقديم كل التسهيلات والمساعدة للجهات التي تقوم بإطفاء الحريق، بغية عدم امتداده لأجزاء أخرى موجودة في كتلة البيت الدمشقي وتمت السيطرة عليه بالفعل.

وكان مصدر في قيادة شرطة دمشق صرح لـ “سانا” أن الحريق نشب في غرفة بمنزل قديم جراء ماس كهربائي، الأمر الذي أكده مصدر في الدفاع المدني بأن سبب الحريق ناجم عن سخان كهربائي تسبب في حدوث ماس، أدى لنشوب الحريق في إحدى غرف المنزل المبني من الخشب والطين.