مهنة التوليد.. من الداية إلى القابلة القانونية

تعتبر مهنة الداية من المهن ذات الأهمية الكبيرة في القدم، حيث كان لها بصمة في معظم البيوت، وفق نقيب التمريض والمهن الطبية والصحية المساعدة يسرى ماليل التي وصفت الداية قديماً بأنها بمثابة عيادة متنقلة بين مساكن الحي، وتتسم بالصبر والروح المرحة وصاحبة الخبرة، فكان لها سابقاً دور صحي واجتماعي.

وتطلق تسمية الداية وفق ماليل في عدد من الدول العربية منها سورية ولبنان وفلسطين والأردن ومصر والسعودية واليمن، موضحة أن مزاولة مهنة الداية في الماضي لم تكن منظمة لأنها تتم دون دراسة، فقط بناء على الخبرة وتوارثها من الأمهات أو الجدات، ويمكن أن تكون أحياناً غير آمنة في حال وجود صعوبة أو مرض لدى الحامل.

وأشارت ماليل الى أن “مهنة الداية لا تزال موجودة في العديد من البلدان العربية، ولكن على نطاق ضيق، ولا تقتصر مهنتها على التوليد، بل تتمتع بالخبرة في العلاج بالأعشاب لبعض الأمراض أو لمتابعة حالة وصحة الحامل ومولودها”.

وأضافت: “في سورية لم تعد الداية موجودة بمفهومها القديم بفعل التطور الطبي الحاصل والقوانين الصادرة التي نظمت هذه المهنة، فأصبح الدور لما يسمى القابلات وهنّ خريجات مدارس التمريض، حيث يُسمح لهن بمزاولة المهنة ويكثر تواجدهن ولا سيما في القرى الريفية البعيدة عن مراكز المستشفيات”.

إلغاء الداية وتحولها إلى قابلة قانونية

أوضحت نقيب التمريض ماليل أنه بهدف تنظيم مهنة التوليد وتحقيق أكبر نسبة أمان للمرأة خلال الولادة عملت وزارة الصحة منذ سنوات طويلة على تدريب من كانت تتم تسميتهن الدايات ضمن المشافي، وسُمح لهن بمزاولة المهنة مع إعطائهن حقيبة صحية، لكن بعد تخرج عدد كاف من القابلات من مدارس التمريض، ومنذ أكثر من 20 عاماً لم يعد يُسمح لمن تسمى الداية بالعمل، لأنه تم منح ترخيص مزاولة المهنة فقط لخريجات هذه المدارس من الممرضات باختصاص قبالة.

مشفى التوليد الجامعي

ولفتت ماليل إلى أن للقابلة القانونية دوراً أساسياً في المشافي العامة والخاصة لجهة الاعتناء بالمرأة الحامل، وخاصة في حالات الولادات الطبيعية بإشراف الطبيب المختص، أما الولادة القيصرية فتكون من خلال طبيب مختص وكادر طبي يضم فريقاً باختصاصات التمريض والقبالة والتخدير.

واستذكرت الستينية سلوى مراد وهي أم لسبعة أولاد كيف تمت ولادة أربعة من أبنائها على يد الداية أم خالد التي كانت معروفة بأحياء ريف دمشق الشرقية، وقالت: “كانت جميع نساء الحي، ومنهن أخواتي وأقاربي يعتمدن على الداية للولادة ومتابعة الوضع الصحي، منذ بدء الحمل وحتى بعد الولادة، لأم خالد مكانة خاصة فهي وفق أحاديثنا تعتبر الجدة لمن ولد على يديها ونكن لها محبة واحتراماً كبيرين”.

وتابعت سلوى حديثها: إنه مع زيادة الوعي بأهمية متابعة الوضع الصحي للحامل في المشافي والمراكز الصحية لدى من تسمى القابلة القانونية أو أطباء النسائية وضرورة الولادة في المشفى للحفاظ على سلامة الأم والجنين أصبح دور أم خالد وغيرها من الدايات يخف تدريجياً، حيث ولدت فيما بعد ثلاثة من أبنائي في المشفى وباشراف طبيب وقابلة قانونية.

8 آلاف قابلة قانونية في سورية

نظراً لانتشار الوعي الصحي بالمجتمع، ومواكبة القطاع الصحي للتطورات الحديثة في المجال الطبي لجهة التخصص الأكاديمي وتطور الأجهزة والمعدات الخاصة شهدت عمليات الولادة في المستشفيات تطوراً ملحوظاً، وأصبحت طرق التوليد أكثر أماناً وسهولة، وإن إحداث نقابة التمريض والمهن الطبية والصحية المساعدة في سورية بالمرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2012 ساهم بتنظيم المهنة، حيث عملت النقابة وفق ماليل على تطوير المهن الصحية والتي يصل عددها إلى 15 مهنة، منها التمريض والقبالة، مبينة أن وجود جهة داعمة لهذه الاختصاصات مهنياً وعلمياً واجتماعياً واقتصادياً يعني تحسين أوضاعهم وتحفيزهم لتقديم خدمات أفضل للمرضى على اختلاف مواقعهم.

مشفى التوليد الجامعي

وبالأرقام وصل عدد المسجلين بالنقابة وفق ماليل إلى أكثر من 40 ألف مختص بمهنة صحية، 8 آلاف منهم اختصاص قبالة، موضحة أن هذا التخصص يدرس في مدارس التمريض لمدة ثلاث سنوات، حيث يدرس الطالب في السنة الأولى تمريضاً والسنتين الأخيرتين تخصص قبالة، أو يمكن متابعة الدراسة لمدة ثلاث سنوات تمريض فقط.

وأكدت ماليل أن النقابة تواصل العمل لتجاوز الصعوبات وتقديم الدعم للعاملين بالمهن الصحية المساعدة لجهة رفع قيمة تعويض طبيعة العمل، حيث كانت تصل للقابلات إلى نحو 5 بالمئة فقط، وبعد تشكيل لجنة بالتنسيق مع وزارة الصحة تم تقديم مقترح لرفعها إلى 55 بالمئة أسوة بالعاملين في التخدير والعلاج الفيزيائي وعلاج الأورام.

وكشفت ماليل أنه يوجد مقترحات حول إجراء دورات تدريب لرعاية الحامل والأمهات للعاملين الصحيين ذكور وإناث، إضافة إلى إدخال تخصص رعاية حوامل وقبالة في كليات التمريض.

للقابلة القانونية دور مستمر في الرعاية الصحية للأم وطفلها

القابلة القانونية ومديرة التمريض بمشفى التوليد الجامعي إيمان الظاهر

بينت القابلة القانونية ومديرة التمريض بمشفى التوليد الجامعي إيمان الظاهر أن القبالة مهنة تصنف ضمن خدمات الرعاية الصحية، وتقدم فيها القابلات الرعاية للنساء خلال فترة الحمل والمخاض والولادة وما بعد الولادة، مع الاهتمام أيضاً بحديثي الولادة حتى سن ستة أسابيع.

والقابلات وفق الظاهر، لهن دور مهم في المشافي، حيث أصبح لديهن إلمام ومعرفة عبر الدراسة والخبرة بكل ما يتعلق بعملية الولادة، سواء من ناحية وضع الجنين وعملية النبض وقياس الضغط والتعامل مع حالات النزف مع إمكانية معرفة وتشخيص الحالات التي تحتاج إلى تدخل جراحي سريع وتحويلها إلى الطبيب المختص، لافتة إلى أن انتشار مراكز التدريب في المستشفيات أسهم بدعم الجانب العملي لدراسات اختصاص القبالة وغيرها من المهن الصحية الأخرى.

مريم سليمان ممرضة في مشفى التوليد الجامعي

مريم سليمان ممرضة في مشفى التوليد الجامعي بينت أن القابلة لا تساعد فقط في الولادة، بل تقدم خدمات تتعلق بالصحة الإنجابية، وتوفير الدعم النفسي للحامل أو خلال وقت المخاض، مؤكدة أهمية ذلك في تسهيل عملية الولادة، حيث يعد نقطة فارقة لدعم المرأة في أصعب الأوقات وكسر حاجز الخوف من الولادة الطبيعية إلى جانب الاهتمام بالمولود الذي يحتاج إلى تدخل طبي أحياناً لجهة الإنعاش أو غير ذلك.

وحول صعوبات العمل أشارت سليمان إلى أن القبالة مهنة تتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، ورغم ذلك لا يزال تعويض طبيعة العمل على الراتب أو الحوافز لا يلبي الاحتياج الحقيقي، معربة عن أملها برفع نسبة التعويض.

اقرأ أيضاً: في يومهم العالمي.. كوادر التمريض جاهزية عالية لأداء الواجب بمختلف الأوقات

تنظيم مهنة القبالة خطوة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة

مشفى التوليد الجامعي

يحتفل العالم سنوياً منذ عام 1991 في الخامس من أيار باليوم العالمي للقابلات بهدف دعوة الحكومات والمعنيين في القطاع الصحي إلى تنظيم مهنة القبالة وبيئة عملهن وإدارتهن، بما يمكن من تحسين جودة الرعاية بالأمهات في جميع البلدان.

وتعتمد خدمات الرعاية الصحية للأمهات اعتماداً كبيراً على الرعاية التي تقدمها القابلات في المنطقة العربية، حيث إنهن يسهمن في إنقاذ الأرواح والحد من وفيات الأمهات والمواليد، وفي تحسين صحة النساء وحديثي الولادة، ويعد الوصول إلى كل امرأة ومولود جديد بخدمات القبالة أمراً أساسياً لتحقيق متطلبات الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة وهو (الصحة الجيدة والرفاه).