لغة الضاد ورثة الأجداد في تجربة الدكتور جودت إبراهيم

غرس الأجداد في نفس الكاتب الدكتور جودت إبراهيم حب اللغة العربية وآدابها فتعلق بها، وأنتج عشرات الكتب والأبحاث في رحابها الخصيب، مواصلاً درب العطاء من خلال تدريسه لها في عدد من الجامعات المحلية والعربية، إضافة لكتاباته الثرية والدورية في عدد من المجلات.

وعن سبب اختياره للغة العربية أوضح إبراهيم في مقابلة مع مراسلة سانا أنه نشأ في بيت هو مدرسة للتعليم في قريته “بحور” بريف حمص منذ أكثر من قرن ونيف، حيث كان جده لوالده معلما هرب من بطش العثمانيين للتعليم في قرية أخرى ليكون نجلاه معلمين على خطاه فتأثر إبراهيم بحكاياتهم المتنوعة التي زرعت في عقول الأحفاد حب الأدب والثقافة، وعاش ونشأ في بيئة مليئة بالشعراء والثقافة، ما شجعه على التخصص خلال دراسته الجامعية في الأدب العربي ونظرياته.

وما زاد من تعمقه باللغة اطلاعه على الآداب العالمية ولغاتها خلال إقامته في بلاد أجنبية كثيرة مثل الأرجنتين وروسيا وجورجيا والولايات المتحدة الأميركية والأردن واليمن فتأثر بها، وانخرط في الكتابة التي بدأها بالشعر المحكي فالمقالات التي جمعها بكتاب “أجمل ما في الوجود”، وصولاً إلى المقالات المتخصصة فالبحوث الأكاديمية والنقدية والفكرية والمترجمة وغيرها.

وتولع إبراهيم وهو أستاذ مبادئ النقد ونظرية الأدب في جامعة البعث بحمص باللغة العربية ونظرياتها النقدية، ما أثمر مؤلفات وترجمات ومقالات وأبحاثاً علمية وكتبا، منها الأسس النظرية لنقد الشعر العربي في القرن العشرين و”ملامح نظرية نقد الشعر العربي ” و”محطات في الثقافة العربية” و”الأدب الشعبي في وادي النضارة” و”الصافي في العروض والقوافي” وغيرها.

وحول ما إذا كان الأدب العربي مازال يواكب التطور ويحقق هذه المهمة كما فعل في الماضي رأى إبراهيم أن حركة الأدب كحركة الحياة ليست ثابتة والابداع لا يحتاج من يوجه حركته، فهو يتوجه بفعل القدرة الذاتية وقوة التحريك الداخلية التي هي الصفة الأساسية للإبداع، وعرفت الساحة العربية حديثاً ظهور أدباء وأديبات وروائيين ونقاد ومترجمين احتلوا مكانة بارزة عربياً وعالمياً وأعمالهم تواكب الحداثة وتستشرق المستقبل.

وعن حال الأدب بجناحيه الشعر والنثر، وما إذا كانا يعكسان الواقع كما هو يقول إبراهيم: إن من أهم وظائف الأدب تصوير الواقع كما يجب أن يكون وليس كما هو بالتفصيل، ولكن ذلك لا يمنع من ظهور أعمال أدبية عادية وبتجارب غير ناضجة أو بسيطة، وهذا أمر طبيعي فهي محاولات من أنصاف الموهوبين للتعبير عن موهبتهم وإظهار قدرتهم وخبرتهم في مجال الكتابة، ولكنه بدأ يشكل ظاهرة غير محببة بسبب الانتشار الواسع لكثير من المحاولات والتجارب غير الناضجة التي لم تكن لتظهر سابقاً بهذا الكم لولا الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت منابر غير محدودة العدد لهؤلاء، غير أننا لا نخاف كثيراً من هذه الظاهرة لأن الذائقة الأدبية الرفيعة وعالية المستوى تميز بين الغث والثمين، كما أنها تنبذ البشع وتطرب للجمال حيث كان.

أكاديمياً وفيما إذا كان لدينا نخبة من الدارسين للأدب مازالوا يواصلون البحث والاستقصاء في أركانه، وصولاً إلى نظريات جديدة أم اكتفينا بما وصل إليه السابقون يوضح إبراهيم أن الجامعات السورية والعربية التي أصبح عددها بالمئات تضج بأعداد كبيرة من الباحثين والدارسين والنقاد والأدباء والشعراء والمبدعين في كل ما يتصل بالأدب وفروعه وأنواعه وتاريخه ونقده ونظرياته، وهم يتابعون دراساتهم العليا في بلدان العالم المختلفة، ويطلعون على آداب تلك الشعوب وعلى أحدث النظريات الأدبية والنقدية وغيرها ليوظفوها في أبحاثهم، ما ولد عملية مثاقفة مع الآخر ظهرت أثارها جلية في الحركة الأدبية، وفي نشاط البحث العلمي الذي تقوم به الجامعات السورية عن طريق أعضاء الهيئة التدريسية وطلاب الدراسات العليا وغيرهم.

وبخصوص الأدب المقارن وهل مازال بخير اعتبر إبراهيم أن هذا الأدب كغيره من الأنشطة والمعارف تأثر بما يجري على الساحة السورية، وبما أصاب البلد بفعل الحرب الإرهابية عليه، وهو يتطلب علاقات مع الآداب والبلدان واللغات الأخرى ما جعله يتباطأ وربما يقف ساكنا في السنوات الأخيرة بسبب توقف الفعاليات والأنشطة والإمكانيات.

ويشغل إبراهيم الذي يحمل إجازة في اللغة العربية وآدابها، ودبلوم الدراسات الأدبية العليا، ودكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة تبيلسي الجورجية عدداً من المهام، فهو عضو اتحاد الكتاب العرب، وجمعية النقد الأدبي، وعضو مجلس إدارة رابطة الخريجين الجامعيين بحمص، ووكيل كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة البعث، ومدير التدريب والتأهيل في المعهد الوطني للإدارة العامة بدمشق.

وكرم مرات عدة داخل وخارج سورية، تقديرا لجهوده في تأسيس المعهد الوطني للإدارة العامة، وإنجاح عدد من المهرجانات والنشاطات الثقافية في محافظة حمص، كما استحق جائزة الدكتور “جميل الدويهي” الدولية للأدب الراقي، ومنح شهادات ودروعا من جامعتي صنعاء باليمن وناصر الأممية بليبيا عرفانا لتدريسه فيهما