مواصلة الدول الغربية المانحة عدم تنفيذ تعهداتها بتقديم المساعدات للسوريين المتضررين جراء الحرب الإرهابية والزلزال، أرغمت برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة على تخفيض مساعداته التي كان يقدمها لنحو 5.5 ملايين شخص إلى نحو النصف، نتيجة نقص التمويل الذي يهدد بنفاد المساعدات الغذائية بحلول تشرين الأول القادم.
إعلان برنامج الأغذية العالمي جاء بالتزامن مع المؤتمر الذي عقده الاتحاد الأوروبي بمقره في بروكسل، وخصصه بشكل أساسي حول سورية، متعمداً تغييبها حتى لا تتكشف حقيقة أهدافه وسياساته ويتأكد زيف ادعاءات الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالحرص على حقوق الإنسان، وينفضح تسييسها للعمل الإنساني ودورها في تعميق معاناة الشعب السوري، جراء مواصلة دعمها المجموعات الإرهابية واستمرارها بفرض إجراءات اقتصادية قسرية غير شرعية على سورية تسببت بنزوح الملايين وفقدانهم مصادر رزقهم، وحرمان الشعب السوري من حقه في الحصول على احتياجاته الأساسية، فضلاً عن نهب واشنطن ثرواته في منطقة الجزيرة.
ورغم تفاقم معاناة السوريين بعد كارثة الزلزال المدمر في شباط الماضي ومناشدة سورية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأمانة العامة للمنظمة ووكالاتها وصناديقها واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الدولية لمد يد العون ودعم الجهود التي تبذلها الدولة في مواجهة تداعيات الزلزال، لم يحرك الغرب ساكناً لرفع إجراءاته القسرية وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية، واكتفى بتجميد جزئي ومؤقت لبعض هذه الإجراءات الانفرادية القاتلة، بهدف إعطاء انطباع إنساني كاذب، حيث نصت على استثناءات مزعومة لأغراض إنسانية أثبتت الوقائع زيفها.
وقال برنامج الأغذية العالمي في بيان: إن أزمة التمويل غير المسبوقة في سورية أجبرت البرنامج على تخفيض مساعداته لنحو 2.5 مليون شخص بعد أن كان يقدمها لنحو 5.5 ملايين يعتمدون على المساعدات التي يقدمها البرنامج التابع للأمم المتحدة لتأمين احتياجاتهم الأساسية من الأغذية، مضيفاً: إنه بعد استنفاد جميع الخيارات في ظل الموارد المحدودة للغاية قرر البرنامج إعطاء الأولوية لثلاثة ملايين سوري غير قادرين على تأمين احتياجاتهم دون تقديم المساعدة لهم، بدلاً من مواصلة المساعدة لـ 5.5 ملايين في ظل المعطيات التي تفيد بنفاد المساعدات الغذائية تماما بحلول تشرين الأول القادم.
وأوضح ممثل البرنامج والمدير القطري في سورية كين كروسلي أنه بدلاً من زيادة المساعدات أو حتى الإبقاء على السوية ذاتها لمواكبة الاحتياجات المتزايدة يواجه برنامج الأغذية مشهداً قاتماً يتمثل في انتزاع المساعدات من الناس في وقت هم في أشد الحاجة إليها، مبيناً أنه بعد 12 عاماً من الحرب وموجات النزوح الكبيرة وجائحة كورونا وآثارها على الأزمة الاقتصادية التي دفعت بأسعار الأغذية إلى مستويات قياسية ومؤخراً الزلزال المدمر، يعيش السوريون في حالة طوارئ دائمة، ففي الوقت الحالي يغطي الدخل المتوسط نحو ربع احتياجات الأسرة فقط حتى أولئك الذين يتلقون مساعدات غذائية بشكل منتظم من برنامج الأغذية العالمي يعانون للتأقلم مع الوضع.
وأشار كروسلي إلى أن البرنامج يواجه تحديات تتمثل بالاحتياجات المتزايدة بوتيرة لم يستطع التمويل مواكبتها، بينما ارتفعت تكلفة إيصال الدعم الغذائي لمستوى غير مسبوق، بسبب ارتفاع أسعار الأغذية والوقود، مبيناً أنه من المستحيل تخفيض حجم الحصص الغذائية أكثر والحل الوحيد هو تخفيض عدد المستفيدين، مطالباً بتأمين 180 مليون دولار كحد أدنى بشكل عاجل لتجنب التخفيضات في المساعدات، ومواصلة تقديمها بمستواها الحالي حتى نهاية العام الجاري.
ولفت كروسلي إلى أنه حتى قبل الزلزال المدمر الذي ألحق أضرارا جسيمة وخسائر في الأرواح وتسبب بالمزيد من النزوح، كان هناك نحو 21.1 مليون شخص في سورية يعانون الفقر، ووصل معدل سوء التغذية إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، موضحاً أنه مع محدودية الدخل يشعر برنامج الأغذية العالمي بالقلق الشديد من أن الأشخاص الذين ستتوقف عنهم المساعدات سيغرقون في الفقر ما سيجبرهم على الاعتماد بشكل متزايد على آليات التأقلم الضارة مثل عمالة الأطفال أو الزواج المبكر أو تراكم المزيد من الديون.
وعقب إعلان برنامج الأغذية العالمي ناشدت الأمم المتحدة في بيان مشترك لوكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية والمفوض السامي لشؤون اللاجئين ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المجتمع الدولي من أجل تقديم المزيد من الدعم للشعب السوري والدول التي تستضيف اللاجئين، نظراً لأن الاحتياجات هائلة، مبينة أنه تم فقط تمويل 11 بالمئة من خطة الاستجابة الإنسانية داخل سورية التي تتطلب نحو 5.4 مليارات دولار، حيث يحتاج أكثر من 15 مليون شخص المساعدات الإنسانية.
الدول الغربية تواصل تآمرها على سورية والوقوف ضد إرادة شعبها ومصالحه الحيوية، من خلال عرقلتها عودة اللاجئين إلى وطنهم وعدم تقديم مساعدات إنسانية لضحايا الإرهاب والزلزال، وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تطالب بدعم تمويل مشاريع التعافي المبكر، وذلك بهدف استمرار وإطالة معاناة الشعب السوري، لكن سورية التي أفشلت أهداف الحرب الإرهابية ومحاولات التدخل في شؤونها الداخلية تؤكد أن محاولات النيل من مواقفها لم ولن تفلح، وأنها كما صمدت بمواجهة المرتزقة والإرهابيين عازمة على العمل مع الأشقاء العرب والأصدقاء وكل القوى الخيرة في العالم لتعزيز انتصاراتها، وتجاوز تبعات الحصار الاقتصادي وإعادة الأوضاع إلى أفضل مما كانت عليه قبل الحرب الإرهابية عليها.