عيد الجلاء… ذكرى حاضرة في وجدان السوريين

كان في التاسعة من عمره في مثل هذا اليوم قبل 77 عاماً، ولا تزال ذاكرته تختزن صور الابتهاج والاحتفالات التي عمت كل أرجاء الوطن بإعلان جلاء آخر مستعمر فرنسي عن أرضه.

مشاهد استحضرها موسى الشلبي من مواليد 1937 فور الحديث معه عن هذا التاريخ فقال لمراسل سانا: “توالت الاحتفالات بعد ذلك التاريخ وصار يوماً وطنياً عنوانه الشموخ والعزة، ولا أنسى العروض العسكرية للجيش العربي السوري في هذا اليوم”.حسن عيسى من أبناء دمشق وصاحب معمل حلويات بساحة المرجة أشار خلال حديثه إلى مكانة ذكرى عيد الجلاء في وجدان كل مواطن سوري وعروض الخيل التي كانت تقام في ساحة الشهداء المعروفة باسم (المرجة)، والتي احتضنت احتفالات عيد الجلاء على مر الزمن.

ومن الساحة نفسها أكد المتقاعد محمود خدام من أبناء منطقة القدموس بريف طرطوس أن ذكرى جلاء المستعمر الغاشم تعني للسوريين الحرية والاستقلال، مبيناً أن هذا المستعمر كان ولا يزال يحاول بصور مختلفة أن يسيطر على هذه المنطقة المليئة بالخيرات، ولكن بتماسكنا وعقيدتنا القوية التي ورثناها عن أجدادنا سيزول كل طامع عن هذه الأرض.وبنظرات تجوب المكان تابع محمود: “ساحة المرجة تعني لنا الشهداء الذين نصبت لهم المشانق هنا، بعد مقاومة المستعمر الفرنسي إبان ضربه أحياء دمشق القديمة، فهي ذكرى مؤلمة، لكنها ممتزجة بمشاعر الفخر لأنها تعني لنا الإرادة والحرية”.مختار حي العمارة في دمشق القديمة محمد سعيد مراد اعتبر أن مسيرة النصر والجلاء متواصلة ومتجددة منذ ذلك اليوم، حيث تذكرنا هذه الأيام بالنصر على الإرهاب وإفشال المؤامرة الخبيثة على الوطن.وقال:” الوطنية قيمة ننقلها لأولادنا، ونعزز بهم الشهامة والنخوة والمحبة والتعاون وهذا دليل على حب الوطن”.وترجم يزن الحمد طالب في المرحلة الثانوية معاني هذا اليوم بقوله: “يوم الجلاء هو أمل لكل جيل جديد، مثلما هزم أجدادنا المستعمر الفرنسي وانتصروا من خلال توحدهم بجميع أراضي سورية نستطيع نحن كطلاب أن نقدم معارفنا وأفكارنا كي نبني وطننا وندافع عنه”.من جهتها الطالبة ماريا العساف وصفت هذا اليوم بالمميز لكل السوريين، وتقول: كل سنة يذكرنا أهلنا ببطولات آبائهم وأجدادهم، وسيبقى لدينا أمل أننا سنتخطى كل العقبات التي تواجهنا كما تخطاها أجدادنا من قبلنا من خلال الصمود والعزيمة.فيما قال الطفل محمد عثمان طالب في الصف السادس: يوم الجلاء هو اليوم الذي كان فيه جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي السورية، ونحتفل به بأناشيد وطنية وأشعار وكلمات تعبر عن تضحيات أجدادنا ضد المستعمر الفرنسي.وذكر محمد سليمان الطالب في الصف الخامس أننا نحتفل كل عام في مدرستنا بعيد الجلاء، فهو عيد وطني وأتذكر دائماً قصص البطولات التي يرويها لنا معلمونا عن الأبطال يوسف العظمة وصالح العلي وسلطان باشا الأطرش وغيرهم.

ورأى عبد الكريم الشيخ مدير معهد الحرية بدمشق أن ذكرى عيد الجلاء مناسبة لتعزيز القيم التربوية ورفع الوعي لدى الطلاب بأهمية هذا اليوم، والتركيز على ضرورة التمسك بالوطن والانتماء إليه كلما ضربت جذور التآمر الخارجي على البلاد.ولأدباء ومثقفي سورية كلمتهم في هذه المناسبة، حيث ذكرت الكاتبة ماجدة عبد الحق عدداً من الشعراء الذين رحلوا وبقيت قصائدهم تتغنى حتى يومنا هذا بعيد الجلاء، حيث خلد بدر الدين الحامد فرحته بالعيد قائلاً: “يوم الجلاء هو الدنيا وزهوتها، لنا ابتهاج وللباغين إرغام”، وعمر أبو ريشة الذي قال: “يا عروس المجد تيهي واسحبي..

في مغانينا ذيول الشهب.. لن تري حفنة رملفوقها لم تعطر بدما حر أبي”، والشاعر شفيق جبري الذي جسد فرح سورية شعراً صادقاً، وقال: “حلم على جنبات الشام أم عيد؟ أتكذب العينوالرايات خافقةٌ؟ أَمْ تكذب الأذن، والدّنيا أغاريد؟”.ودعت عبد الحق في هذه الذكرى إلى عقد العزم على تحرير أنفسنا من المشاعر السلبية وجلب الأفكار الإيجابية، لتتجسد بواقع أفضل نشهد فيه تعاضد كل أبناء الوطن لبنائه نحو الحضارة فتعلو الإنسانية، مؤكدة على المعرفة والعلم كسبيل للتطوير على جميع الأصعدة.وتابعت: شكّل جلاء الاحتلال الفرنسي نتيجة ناصعة لنضال الشعب العربي السوري ضد أشكال الاحتلال والاستعمار المتعاقب الذي استمر مئات السنوات، حيث أثمرت تضحياته الكبيرة وصبره العظيم، فوصل إلى نيل حريته التي ضحى من أجلها بكل غالٍ ونفيس.

بدورها المحامية الشابة لارا الحلبي تقول: إن عيد الجلاء نصر لسورية، منذ صغرنا كنا ننتظر في المدرسة الاحتفال السنوي بهذه المناسبة، وعندما كبرنا زاد وعينا بأن عيد الجلاء هو عيد يمثل التضحية والبطولات التي سطرها السوريون الذين صمدوا وقاوموا الاستعمار، وحققوا الاستقلال عام 1946.وختمت لارا: “عيد الجلاء يعني في داخلي الانتماء لسورية والنصر والإصرار على تحرير كل شبر من أرض وطننا الحبيب”.

سانا