عقد السيد الرئيس بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين جلسة محادثات رسمية في الكرملين اليوم بحضور وفدي البلدين .
وفي مستهل المحادثات قال الرئيس بوتين: فخامة الرئيس المحترم سعيد جداً برؤيتكم هنا في موسكو، وشاكرون لتلبيتكم هذه الدعوة، ونحن على اتصال دائم حيث تشهد علاقاتنا تطوراً مستمراً، وبفضل الجهود المشتركة للبلدين وبمساهمة القوات المسلحة الروسية تم تحقيق نتائج ملموسة فيما يخص محاربة الإرهاب الدولي، وهذا يتيح فرصة لتحقيق المزيد من الاستقرار في الوضع الداخلي والاجتماعي والاقتصادي في سورية.
وأضاف بوتين: مع الأسف الشديد فإن الشعب السوري واجه مؤخراً مشكلة إضافية، تمثلت بكارثة الزلزال، وهذا يزيد الوضع سوءاً وكما تعرفون نحن كأصدقاء مخلصين نقوم بكل ما بوسعنا لتخفيف معاناة الشعب السوري، حيث تم تقديم المساعدات من خلال وزارة الطوارئ والقوات المسلحة الروسية الموجودة في سورية.
وأشار الرئيس بوتين إلى أنه رغم كل هذه المصاعب تشهد علاقات البلدين الاقتصادية تطوراً مستمراً، حيث زاد حجم التبادل التجاري 7 بالمئة خلال العام الماضي، لافتاً إلى أن لقاء اليوم يشكل فرصة لمناقشة مفصلة لكل المواضيع التي تهم روسيا وسورية اللتين ستحتفلان في العام القادم بالذكرى الـ 80 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
من جهته قال الرئيس الأسد: شكراً لكم سيادة الرئيس، وأنا سعيد اليوم أن أكون في موسكو ونلتقي لنناقش الكثير من الملفات المهمة المطروحة أمام الدولتين، صحيح أن اللقاءات بين المسؤولين لا تنقطع على مختلف المستويات، لكن التغيرات الدولية التي حصلت خلال العام الماضي تتطلب منا أن نلتقي ونضع تصورات مشتركة للمرحلة القادمة، مضيفاً: أتوجه بشكري لكم وللحكومة الروسية ممثلة بوزارة الطوارئ على المساعدات الكبيرة التي قدمت خلال الزلزال الذي أصاب سورية الشهر الماضي، وطبعاً لوزارة الدفاع والجيش الروسي الذي ساهم مساهمة مباشرة في إنقاذ المصابين جراء الزلزال، والذي كان له تأثيرٌ كبيرٌ في التخفيف عن المصابين وفي التخفيف من آثار الزلزال على المواطنين السوريين.
وتابع الرئيس الأسد: أود أن أنقل امتنان الشعب السوري لكم وللحكومة الروسية للمواقف الثابتة تجاه الحرب في سورية.. هذه المواقف المنطلقة من وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، وسيادة دولتها، ونبذ الإرهاب، ورفض وجود القوات الأجنبية على أراضيها.. طبعاً بالرغم من أن روسيا اليوم في حالة حرب لكن مواقفها ما زالت نفسها لم تتغير نهائياً.
وقال الرئيس الأسد: أريد أن أستغل هذه الزيارة الأولى لي بعد بدء الحرب في أوكرانيا، لأجدد موقفنا الثابت في دعم الموقف الروسي من هذه الحرب ضد النازية القديمة الجديدة، وأقول قديمة جديدة، لأن هذه النازية دعمها الغرب قبل الحرب العالمية الثانية واحتضن قادتها بعد الحرب، والآن هو يستمر في دعمها كما كان سابقاً، موقفنا لا ينطلق اليوم من الصداقة القوية بيننا ولا من الوفاء لمواقف روسيا تجاهنا، وإنما من حاجة العالم اليوم لإعادة التوازن له، وإلا سيذهب العالم باتجاه الانفجار والدمار.
وأضاف الرئيس الأسد: أنا مرتاح جداً لنتائج اللقاء بين المسؤولين السوريين والروس في اللجنة المشتركة الذي حصل خلال الأيام الماضية، والذي كان من أفضل الاجتماعات التي تمت خلال السنوات الماضية، وأعتقد أن النتائج التي تم التوصل إليها ستمهد لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، فيها أفكار عملية وليس مجرد بيانات.
وختم الرئيس الأسد: مرة أخرى أشكركم سيادة الرئيس على استقبالكم، وأؤكد أن هذه الزيارة ستمهد لمرحلة جديدة في العلاقات السورية الروسية على جميع المستويات، وستحقق نتائج حقيقية يمكن أن نبني عليها للمرحلة القادمة في العلاقات بين بلدينا وشعبينا.
وتناولت المحادثات طيفاً واسعاً من الملفات السياسية والاقتصادية، وناقش الزعيمان العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بمختلف أشكاله، والتطورات المستجدة على الساحتين الإقليمية والدولية.
ففي الشأن الثنائي، تناولت المحادثات العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والمبنية على المبادئ والمصالح والقيم المشتركة التي تجمعهما، والعمل لتعزيز هذه العلاقات بما يصب في مصلحة الشعبين في مرحلة تشهد تحولات غير مسبوقة على مستوى العالم.
ونال الشأن الاقتصادي مساحة واسعة من مباحثات الرئيسين الأسد وبوتين، حيث جرى النقاش في توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، والبحث المعمّق في الملفات الأساسية التي جرت مناقشتها في اجتماع متابعة أعمال اللجنة الحكومية السورية الروسية المشتركة، الذي انعقد على هامش الزيارة برئاسة رئيسي اللجنة من الجانبين السوري والروسي.
وفي الشأن السياسي، تم بحث التغيرات والتطورات التي يشهدها العالم، وأهمية الاستمرار في بناء تحالفات وشراكات بين الدول التي تجمعها مبادئ ومصالح مشتركة، بحيث تشكّل قوة فاعلة تتحرك لصالح شعوبها، وتعمل لتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في مواجهة السياسات الغربية القائمة على نشر الفوضى والتخريب، وإشعال الحروب بهدف الاستمرار في الهيمنة وخدمة لمصالحها الضيقة.
وناقَش الرئيسان العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا، وجدد الرئيس الأسد موقف سورية المؤيد لحق روسيا في الدفاع عن أمنها القومي، بينما اعتبر الرئيس بوتين أن العملية العسكرية الروسية هي معركة وجود، وأن الغرب حاول زعزعة استقرار روسيا السياسي والاقتصادي، إلا أن روسيا استطاعت التأقلم مع ما سبق، بل وحققت نمواً اقتصادياً رغم الحرب.
وتناولت المباحثات الرئاسية أيضاً، المبادرات الإقليمية التي تدعمها موسكو، حيث أكد الرئيس الأسد أن سورية لطالما كانت مع الحوار، إذا كان سيُفضي إلى تحقيق مصالح الشعب السوري ووحدة وسلامة الأراضي السورية، ويصل إلى نتائج واضحة ومحددة، وعلى رأسها الاستمرار بمكافحة الإرهاب وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية الموجودة على أراضيها.
كما تم التوافق على أهمية تعزيز التعاون القائم بين البلدين في الأمم المتحدة وكل المحافل الدولية الأخرى، مع التأكيد على أن سورية تُثمن وقوف روسيا في مواجهة محاولات الضغط على دمشق، عبر ما يسميه الغرب ملف الأسلحة الكيميائية في سورية.
إقليمياً، أكد الرئيسان ترحيبهما بإعلان السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كخطوة تنعكس إيجاباً على المنطقة والعالم.
وفي نهاية جلسة المحادثات الموسعة تابع الرئيسان الأسد وبوتين محادثاتهما المغلقة، والتي اختتمت بمأدبة غداء أقامها الرئيس بوتين على شرف الرئيس الأسد.
جلسة المحادثات الموسعة ضمّت من الجانب السوري الوفد المرافق للرئيس الأسد، ومن الجانب الروسي سيرغي لافروف وزير الخارجية، ويوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي لقضايا السياسة الخارجية، وديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي في إدارة الرئيس الروسي، وسيرغي شويغو وزير الدفاع، وأنطوان سيلوانوف وزير المالية، وإيريك فايزولين رئيس الجانب الروسي من اللجنة المشتركة، وألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، وألكسندر يفيموف سفير روسيا الاتحادية لدى الجمهورية العربية السورية.
كما عُقدت على هامش الزيارة الرسمية للرئيس الأسد مباحثات ثنائية بين وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد ونظيره الروسي سيرغي لافروف، حيث تم الحديث عن المسارات التي تقترحها موسكو سياسياً، والتأكيد على أن أي مسار سياسي يجب أن يحقق وحدة وسلامة الأراضي السورية، ووقف دعم الإرهاب، وخروج القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية.
وكذلك عُقدت محادثات بين وزير الدفاع العماد علي عباس ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، تقدم فيها شويغو بتعازيه بضحايا الزلزال الذي ضرب سورية، مؤكداً استمرار المؤسسة العسكرية الروسية في حشد كل الإمكانيات للمساهمة في مساعدة المتضررين من الزلزال.
وفي موضوع التعاون العسكري بين البلدين، تم التأكيد على الاستمرار في محاربة الإرهاب في سورية حتى تحرير الأراضي السورية كافة.