بسواعد وطنية… قلعة دمشق تنفض غبار العدوان الإسرائيلي

لم يكتف الكيان الصهيوني باستهداف المواقع المدنية في سورية، بل طالت اعتداءاته أماكن أثرية تعاقبت عليها أعرق الحضارات الإنسانية، ومؤسسات تعليمية تخرج كوادر وسواعد وطنية مؤهلة لتصون تاريخ البشرية جمعاء.

قلعة دمشق المسجلة على لائحة التراث الإنساني العالمي لليونيسكو لم تسلم من إجرام العدوان الإسرائيلي الذي استهدف دمشق ومحيطها بداية الأسبوع الجاري، فهذا الأثر العالمي الذي يعود تاريخ بنائه إلى بداية القرن الثالث عشر الميلادي يحتضن المعهد التقاني للفنون التطبيقية والمعهد التقاني للآثار التابعين لوزارة الثقافة.

ومنذ ساعات الصباح الباكر بعد العدوان الإسرائيلي فجر الأحد الماضي شارك مجموعة من المهندسين والفنيين وعمال وحراس من المديرية العامة للآثار والمتاحف بفرز وإدارة الركام من المكان يدوياً، أملاً بالوصول إلى بعض الأجهزة أو الأدوات المهمة التي كانت تحت الركام الذي تسبب به العدوان.

واستعرض المهندس إدمون العجي المدير السابق لقلعة دمشق في تصريح لمراسلة سانا أهمية هذه الأجهزة المساحية عالية الدقة، وأجهزة التصوير والرفع الهندسي، وكذلك الأرشيف والوثائق المهمة المرتبطة بمشروع قلعة دمشق، وهي دراسات وبحوث ومخططات تم إنجازها طيلة سنوات.

وبين العجي أن كتلة المباني التي تهدمت في القلعة جراء العدوان بطول 50 متراً تقريباً وعرض 6 أمتار، تمتد جذورها من الحقبة العثمانية الأخيرة أما سطحها فجملوني يعود للحقبة الفرنسية، وإلى جوارها في الجزء الشمالي تمثل الأسوار السلجوقية الأقدم في قلعة دمشق، إضافة للأرشيف والوثائق التاريخية التي تحتويه هذه المكاتب ما يقارب مئة سنة من الأعوام التي يتم العمل عليها من نهاية القرن العشرين.

ولفت العجي إلى أن المرحلة القادمة ستكون لتقدير الأضرار ودراسة جدوى إعادة البناء بالنسبة للتكاليف العالية التي تحتاجها وتقدر بأضعاف تكاليف البناء العادي وتبيان المزايا والسلبيات لأي قرار سيتخذ فيما بعد إن كان إعادة البناء والترميم أو المحافظة على الوضع الراهن.

من جهته، اعتبر مدير المعهد التقاني للفنون التطبيقية غاندي خضر أن قلعة دمشق مكان تراثي أثري وقيمة إنسانية للبشرية جمعاء، واستهدافها بهذا الشكل الوحشي لا يمت للقيم الحضارية بأي صلة، مبيناً أن المعهد يشغل المساحة الأكبر، حيث تعرض قسم التصوير الضوئي والتلفزيوني للهدم الكامل في حين بقيت أماكن أقسام النحت والخزف والخط العربي والزخرفة على وضعها لبعدها نوعا ما عن مكان الاستهداف.

وأشار خضر إلى الجهود الحثيثة التي بذلها المعنيون في وزارة الثقافة، بالتعاون مع طلبة وأساتذة المعاهد للعمل على رفع الأنقاض وتهيئة الأماكن المتضررة قدر الإمكان، مؤكداً استئناف العملية التعليمية يوم الأحد القادم، وقال:”قدرنا في بلادنا أن نعمر ونبقى صامدين بالرغم من الحزن العميق الذي أثر بنفوسنا جميعاً، ولاسيما أننا نعمل في مجال الفنون وهذا سيطبع في ذاكرتنا ووجداننا”.

وعن أهمية المعهد التقاني للآثار والمتاحف، قالت مديرته الدكتورة مياسة ديب: “إن المعهد تأسس عام 1986 بقرار من وزارة التعليم العالي وهو المعهد الوحيد في سورية يقع على عاتقه تخريج العاملين في مجال الآثار من تنقيب وترميم وبعض الحرف المرتبطة بالفسيفساء والعجمي، وكذلك ترميم المخطوطات ومن خلال اعتماده على الجانب العملي في مناهج تدريسه سمحت له سنوات الخبرة منذ تأسيسه وحتى الآن والتي بلغت سبعة وثلاثين عاماً بتخريج تقنيين ينافسون خريجي الأقسام المماثلة في الكليات الأخرى والكادر التقاني الأثري”.

وأشارت ديب إلى أن المعهد يهدف إلى رفد المؤسسات المعنية بالكادر الأثري التقني المتميز القادر على التعامل والحفاظ ومعالجة كل ما له علاقة بالآثار بروح العمل الجماعي المؤهل للعمل ضمن مواقع التنقيب الأثرية، وتمثيل سورية في البعثات الأجنبية، ويملك من المعلومات ما يسمح له بالعمل ضمن فرق توثيق المباني التاريخية وترميمها وصيانتها، كما يمكن له العمل في المجالات المختلفة كالتعامل مع القطع المتحفية وتنظيمها وحمايتها.

وكان العدوان الإسرائيلي استهدف فجر الأحد الماضي بعض الأحياء السكنية في مدينة دمشق وقلعتها الأثرية والمعهد التقاني للآثار والمتاحف والمعهد التقاني للفنون التطبيقية، وتسبب بارتقاء عدد من الشهداء، وبأضرار مادية كبيرة في النسيج الأثري لقلعة دمشق المسجلة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1979، وهو أمر محظور لكون الاتفاقيات الدولية تمنع استهداف المواقع الثقافية، وبناءً عليه يُعد هذا الاعتداء جريمة مكتملة الأركان.