تداعيات الجفاف تتعدى الأمن الغذائي وتطال أمن الطاقة العالمي

في الوقت الذي تصارع فيه أغلب دول العالم من أجل تأمين إمدادات الطاقة يطل الجفاف برأسه ليتجاوز بتداعياته أزمة الأمن الغذائي منذراً بكارثة إضافية تطال أمن الطاقة العالمي لما تلعبه المياه من دور محوري في إنتاج وتوليد الكهرباء واستخراج النفط.

فالمياه تستخدم في كل مراحل إنتاج الطاقة سواء أكانت للتبريد أم لتوليد الكهرباء بعد تسخينها وتحويلها إلى بخار وحتى في استخراج النفط من باطن الأرض الأمر الذي حذر منه خبراء أوروبيون معربين عن قلقهم من أن التأثيرات المتزايدة للتغير المناخي وعلى رأسها الجفاف ستهدد إنتاج الطاقة في أنحاء أوروبا.

وتشعر كل من أوروبا وبريطانيا على نحو متزايد بتداعيات الجفاف على إنتاج الطاقة حيث توقفت منذ صيف العام الماضي العديد من محطات إنتاج الطاقة عبر توربينات الهواء بسبب ضعف الرياح ما اضطر العديد من الدول مثل ألمانيا وبريطانيا وهولندا وغيرها لإعادة تشغيل محطات توليد كهرباء تعمل بالفحم بعد أن كانت أخرجتها من الخدمة لتلبية أهداف مكافحة التغيرات المناخية وفقا لموقع آي نيوز البريطاني.

واعتبر تقرير للموقع أن مؤشرات فقر الطاقة زادت في أوروبا بعد أزمة أوكرانيا مطلع العام الجاري والعقوبات التي فرضتها دول التكتل الأوروبي ضد روسيا وتأثير الاحتباس الحراري الذي جعل معدلات الجفاف هذا العام أعلى من العام الماضي.

وشهد النصف الأول من عام 2022 وفقاً لصحيفة الاندبندنت البريطانية تراجعاً شديداً في إنتاج الطاقة من المصادر الهيدروليكية التي تعتمد على انسياب المياه نتيجة هطول الأمطار في حين تواجه شركات إنتاج الطاقة من مصادر هيدروليكية في أوروبا أزمة حادة نتيجة موجة الجفاف الشديدة التي تضطر بعضها لشراء الكهرباء من سوق الجملة الفورية للوفاء بالتزاماتها تجاه المتعاقدين معها لتتحمل بذلك خسائر هائلة.

ورأت صحيفة الاندبندنت البريطانية أنه في الوقت الذي يعمل فيه الأوروبيون على تقليل اعتمادهم على مصادر الطاقة من روسيا في إطار العقوبات المفروضة على موسكو تتفاقم مشكلات توليد الطاقة لديهم من مصادر أخرى غير النفط والغاز والفحم متوقعة مع دخول فصل الشتاء أن يصبح فقر الطاقة في أوروبا وبريطانيا أشد وطأة ولا سيما مع تنبؤات بارتفاع أسعار الكهرباء بشكل كبير نتيجة نقص الإنتاج.

ويؤدي الجفاف وندرة المياه وانخفاض منسوب الأنهار إلى معضلات مزدوجة بين تزايد الطلب على الطاقة واضطراب عمليات إنتاجها ما يؤدي في نهاية المطاف إلى موجات مستمرة من ارتفاع الأسعار على المستهلك النهائي وذلك لأن محطات توليد الكهرباء لن تعمل دون المياه حيث تستخدم أنواعاً مختلفة من الوقود كالفحم والغاز والطاقة النووية لغلي المياه وتحويلها إلى بخار يحرك العنفات داخل التوربينات لإنتاج الطاقة الكهربائية ونفس الحركة أيضاً في عملية تبريد تلك المحطات.

وأما ما يتعلق بالمحطات الكهرومائية فيتم توليد الكهرباء من خلال تدفق المياه عبر هياكل السدود لتحريك عنفات التوربينات وبالتالي فإن انخفاض منسوب المياه يؤثر على الإنتاجية بشكل أساسي وخاصة أن هذه المحطات تساهم بما نسبته 17 بالمئة من إنتاج الكهرباء عالمياً وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

ولا تعيق ندرة المياه والجفاف إنتاج الطاقة الكهربائية فحسب بل يعيق أيضاً إنتاج الوقود الأحفوري لأن تقنية التكسير الهيدروليكي تعتمد في المقام الأول على ضخ المياه في باطن الأرض لتكسير الصخور وإطلاق النفط والغاز حيث تستهلك بئر النفط الواحدة ما يزيد على 15 مليون ليتر من المياه فيما يحتاج تكرير برميل واحد من النفط لبرميل ونصف البرميل من الماء وفقاً لمعهد البترول الأمريكي.

وتسهم الطاقة الكهرومائية في إنتاج ثلثي حاجة البرازيل من الكهرباء غير أن الجفاف ونقص المياه أدى إلى خفض تدفق المياه إلى السدود ما دفعها إلى اللجوء إلى أسواق الغاز الأمر أوصل الأسعار إلى ارتفاعات قياسية.

وفيما أعلنت بريطانيا رسمياً أن منابع نهر التايمز أشهر أنهار البلاد جفت تماماً انخفض مستوى نهر اللوار في فرنسا بشكل مذهل بعد أن جفت جميع روافده وانحسرت المياه عن ضفافه الرملية ما خفض إنتاج الكهرباء في أربع محطات للطاقة النووية كانت تستعين بمياهه في عمليات التبريد.

ويضيف الجفاف تحدياً جديداً إلى قائمة التحديات ليس فقط في أوروبا فحسب وإنما على الصعيد العالمي فيما يتعلق بأمن الطاقة وضمان تدفق الإمدادات منها.