تحمل سورية إرثاً متعدداً من الثقافة واللغة والعادات والاهتمامات التي تشكل بمجملها هوية ثقافية خاصة بها تساعد على فهم معنى المواطنة والانتماء لهذا الوطن الذي تلاحقت فيه الثقافات وعبرت في أزمانه الحضارات.
وبهدف ضرب هذه الهوية الغنية والعريقة والمتجذرة في التاريخ نهجت التنظيمات الإرهابية خلال سنوات الحرب على سورية سلوك تدمير الممتلكات الثقافية والمؤسسات الحكومية والبنى التحتية والأماكن الأثرية لتشويه صورة سورية الثقافية والحضارية المتجذرة منذ عصور ما قبل التاريخ.
ولم تكن التضحيات التي بذلت من قبل الكوادر السورية ومؤسسات الدولة لحماية الآثار وكل الشواهد التاريخية في سورية من التدمير إلا شاهداً على ارتباط وتعلق الإنسان السوري بروح حضارته وإرثه الإنساني وجدارته في الذود عنها وحمايتها من كل يد آثمة وفق رأي العاملين في القطاع الثقافي.
وفي ظل الحرب والاستهداف الممنهج ومحاولات سرقة التراث السوري المادي واللامادي وطمس وتشويه معالمه كان التسجيل على قوائم التراث الإنساني بمثابة الوسيلة الأنجع لحماية هوية الشعب السوري الثقافية وفق خبراء التنمية الثقافية وهذا التسجيل يؤكد دور المجتمع السوري في صون التراث اللامادي وحفظه وضمان استمراريته ونقله عبر الأجيال القادمة.
ويؤكد خبراء التنمية الثقافية أن التراث الحي هو محرك شعوب العالم في مجالات التشاركية والنقاش والحوار مع المجتمعات الأخرى التي تمتلك تراثاً مشابهاً بهدف تطوير الممتلكات الثقافية للشعوب وأن ضمان استدامة واستمرارية تناقل التراث الثقافي اللامادي السوري يترسخ من خلال التسجيل على قوائم التراث الإنساني الذي يسحب الذريعة من أعداء الثقافة والسلام الذين استهدفوا إرث سورية المادي واللامادي وسرقوا قسماً منه بالإضافة إلى حرمانهم من حججهم بالوصاية على التراث السوري الذي استولوا عليه بطرق غير مشروعة ليغنوا به متاحفهم.
وبالعودة إلى تعريف التراث الثقافي اللامادي حسب اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي 2003 فهو (جميع الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية تعتبرها الجماعات والمجموعات وأحياناً الأفراد جزءاً من تراثهم الثقافي) وهذا التراث الثقافي اللامادي المتوارث جيلاً عن جيل تبدعه الجماعات والمجموعات من جديد بصورة مستمرة بما يتفق مع بيئتها وتفاعلاتها مع الطبيعة وتاريخها وهو ينمي لديها الإحساس بهويتها والشعور باستمراريتها ويعزز احترام التنوع الثقافي والقدرة الإبداعية البشرية.
وترشيح عناصر التراث اللامادي لمنظمة اليونيسكو وفق تصريح الباحثة ريم الإبراهيم من مشرفي برنامج التراث الحي في الأمانة السورية للتنمية لـ سانا يتم وفق آلية معينة عبر التوجه بشكل مباشر إلى المجتمع الحامل لعناصر هذا التراث فيتم اطلاعهم على المبادئ المتبعة في اليونيسكو لعملية الترشيح والتي يتم من خلالها عكس أهمية هذا العنصر بالنسبة لحامليه وضمان مشاركة المجتمع المحلي في جميع مراحل الترشيح انطلاقاً من اتفاقية صون التراث الثقافي اللامادي 2003 وما يتبعها من توجيهات تنفيذية ومعايير لترشيح ملفات عناصر التراث الثقافي اللامادي على قوائم التراث الإنساني.
وتحتاج تقنية كتابة الملف العلمي الخاص بالترشيح وفقاً لـ الإبراهيم إلى دقة في المعلومات والالتزام بمعايير محددة من قبل اليونيسكو حيث يجب أن يكون للعنصر وظيفة اجتماعية ومعنى ثقافي وأن يمثل جزءاً من هوية المجتمع السوري وأن تكون هناك مجموعة من التدابير التي ترافق ترشيح العنصر من ورشات عمل وندوات وتوثيق.
وفي هذا الإطار أشارت الإبراهيم إلى أنه تم تسجيل وترشيح العديد من الملفات لعناصر التراث اللامادي بهدف صونها من قبل اليونيسكو والمنظمات الدولية العاملة والمهتمة بالإرث الثقافي وعملت الأمانة السورية للتنمية من خلال برنامج التراث الحي بالتعاون مع الجهات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المحلي وأهل الاختصاص على تسجيل عنصر مسرح خيال الظل (كركوز وعيواظ) وإدراجه على قائمة العناصر التي تحتاج إلى الصون العاجل لدى اليونيسكو كما أدرج عنصرا الوردة الشامية والقدود الحلبية على القائمة التمثيلية لمنظمة اليونيسكو في حين كان ملف (الصقارة) أول عنصر سوري مدرج على قائمة اليونيسكو بالشراكة مع عدد من الدول ويتم حالياً العمل على ترشيح ملف صناعة الأعواد والعزف عليها أيضاً ضمن قائمة هذا التراث.