يعتبر كثيرون أن قصيدة النثر هي ثمرة شجرة الحداثة الشعرية وأن حراس التقاليد الثابتة في الشعر لم يسمحوا بتناول ثمارها لكن قصيدة النثر واصلت وجودها رغم كل ذلك ومضت بالقصيدة نحو واقع جديد وآفاق أوسع وحياة متجددة.
وترى الباحثة الدكتورة وجدان محمداه أن الحداثة أثرت في بنية قصيدة النثر وتشكلاتها النصية حيث شهدت تبدلاً في مرجعيات كتابتها كما ظهرت مؤثرات جديدة أسهمت في بروز مزايا فنية داخل النصوص ترسخت بكثافتها وعنايتها بالدلالة وكانت أهم مستجدات قصيدة النثر الإيقاع واللغة وقضايا جمالية تتصل بالجملة النصية وشعريتها.
وعلى الرغم مما يعترض مشروعها التحديثي من أزمات تخص مغامرة كتابتها والتشويش في التسمية والوصف وحجج خصومها تعلن محمداه انحيازها لقصيدة النثر لكونها واقعاً نصياً واعداً.
وتعتبر محمداه أن أدعياء كتابة قصيدة النثر يلحقون الضرر بها فهم يتوهمون أن كل ما ليس موزوناً هو قصيدة نثر مشيرة إلى أن هذه القصيدة أصابها تشويش حاصل من جهتين الأولى تحصره في الأوزان حيث إن قصيدة النثر لم تفرط بالوزن ولكنها نوعت في التفعيلات وتوسعت بها وأتاحت لها الحرية العددية ومع تآزر التقفية كملحق نغمي خلقت هويتها الإيقاعية من التفعيلات والقوافي التي تظل مهيمنة مهما بدت بلا ضوابط تقليدية والثانية إلغاء الموسيقا التقليدية من إيقاع القصيدة.
وأوجدت قصيدة النثر بدائل تعوض ذلك الغياب باقتراحها إيقاعاً ملائماً لتحرر قصيدة النثر من مقولات الموسيقا التقليدية وبين تلك الوجهتين مضت قصيدة النثر العربية وشقت طريقها عبر أجيال من الشعراء تتنوع مرجعياتهم والمؤثرات الفاعلة في تجاربهم.
وعن مستقبل قصيدة النثر تشير محمداه إلى أن القراءة المستقبلية ستدرج قصيدة النثر بشتى أنواعها وأنماطها ضمن جنس الشعر من دون تردد وتساؤل حيث سيخف رفضها وتترسخ بتراكم نماذجها وتنوع مناخاتها وستكون قراءتها أكثر بكثير مما هي عليه الآن ممن لا يقاربونها حالياً لمخالفتها للسائد والمألوف من الشعر لأن هذا ما حصل في الشعر العالمي نفسه ومن تجارب الآخرين يمكننا استخلاص العبر والدلالات.
وتعتبر أن قصيدة النثر ستكون مقبولة في سياقات أخرى تتعلق بالحياة اليومية وأحداثها ووقائعها ومتغيراتها وستظل وتترسخ أكثر وستتحول إلى قصيدة شعبية وجماهيرية بفعل الوسائط التواصلية وما تفرضه مثلاً لقبول قصيدة الومضة أو ما عرف بالهايكو ضمن مناخ الشعرية العربية المتحررة من مفهوم القصيدة الطويلة.
وتعتبر محمداه أن التفاؤل بمستقبل الحداثة الشعرية يقودنا في مجمل الاستقصاءات والتوقعات إلى التفاعل مع القصيدة العالمية والفكر الجديد وصلته بالشعر والحياة والمجتمع وهو الذي قاد شعرنا إلى طرق جديدة غيرت مسار الشعر العربي ووهبته إمكانات حياة معاصرة وأساليب حديثة تنعكس على الشعر الحي فثمة من يرى امتيازاً في التعايش بين الأجيال الشعرية العربية إلى جانب التحديث الشعري المنفتح.
والدكتورة وجدان محمداه حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة دمشق وهي ناقدة لها مجموعة من الأبحاث العلمية التي نشرت في مجلات محكمة منها الأدب المقارن في مؤلفات النقد الأدبي الحديث في سورية وصورة البلاد والشعوب الأخرى في مؤلفات الأدب المقارن والنقد الأدبي الحديث في سورية إضافة إلى مجموعة محاضرات قدمتها في المراكز الثقافية ومنها الدراسات الصورية في الأدب السردي العربي وحنا مينه ذاكرة وطن.