في النقد العربي الأدبي الحديث يسطع اسم الأديبة خالدة سعيد التي أطلق عليها لقب أيقونة النقد العربي الحديث وشاعرة النقد بما قدمته في هذا المجال للأدب والشعر من دراسات ومقالات ورؤى نقدية تطرقت خلالها لبدايات تحولات القصيدة العربية باتجاه الحداثة وظهور فرسانها وانطلاقهم نحو التجدد في شكل القصيدة ومضمونها.
نشأت خالدة في بيئة أدبية غنية فهي شقيقة الراحلتين الشاعرة سنية صالح والفنانة مها الصالح وعندما اقترنت مع الشاعر أدونيس وجدت البيئة الخصبة للأدب والنقد خاصة عبر مجلة شعر فكانت تضيء صالونها النقدي بدقة ملاحظاتها وأرائها العميقة.
درست خالدة الأدب العربي في جامعتي دمشق واللبنانية ببيروت ونالت الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة السوربون في فرنسا وبدأت رحلتها في النقد تحت اسم مستعار “خزامى صبري” في مجلة شعر بقراءة عن ديوان قرارة الموجة لنازك الملائكة بطريقة مختلفة عن القراءات السائدة في تلك الفترة.
وكتبت خالدة لاحقاً مقالات متتابعة عن دواوين “وجدتها” لفدوى طوقان “والبعث والرماد” لخليل حاوي و”حزن في ضوء القمر” لمحمد الماغوط لتوقع بعدها باسمها الحقيقي خالدة سعيد وتتعرف عن كثب على رواد حركة الحداثة الأدبية والشعرية أمثال أنسي الحاج وشوقي ابي شقرا وفؤاد رفقة ونذير العظمة.
التشكيلية والناقدة فاطمة إسبر بينت في تصريح لـ سانا أن آراء خالدة النقدية حظيت بالاهتمام الكبير منذ البدايات ولا سيما مع كتابها الأول في النقد بعنوان “البحث عن الجذور” ويضم مجموعة مقالات نقدية كما مارست الترجمة فنقلت إلى العربية مجموعة من قصص ادغار آلان بو ثم كتاب عصر السريالية ورواية قيثارة العشب وحركية الإبداع.
ورأت إسبر أن نتاج خالدة النقدي غزير بخصائصه متميز على صعيد اللغة والتقديم وعمق الرؤية التحليلية كما أنها قارئة وناقدة غير عادية فالنص عندها يجب أن يقرأ قراءة عميقة وموضوعية من جميع الجهات مع مساءلة للنص لكشف أبعاده وأعماقه وأدق علاقاته.
ويتجلى في كتابات خالدة وفقاً لإسبر حرصها على الجمع بين العلمية والأكاديمية والبعد الثقافي عبر لغة خاصة بها تقوم على البحث والدخول في شرايين النص الذي تكتب عنه متوقفة عند كتبها النقدية من “حركية الإبداع” و”جرح المعنى” و”أفق المعنى” والتي قدمت وجهة نظرها حول الأدب بأنه ليس انعكاساً للواقع فقط وإنما إبداع وطموح إلى واقع غير متحقق وأن الحداثة أفق مفتوح ورؤى واحتمالات من دون نهايات.
وخالدة هي الأقدر كما يصفها الكاتب عابد اسماعيل على تحليل العلاقة الملتبسة بين المبدع ونصه وبين المبدع وعصره كما أنها المؤرخة الأدبية الشغوفة بالمسرح والقارئة الاستثنائية للقصيدة فظلت المثقفة الطليعية التي شهدت أهم تحولات الثقافة العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وخالدة صاحبة مشروع نقدي متكامل كما يصفها الروائي خليل صويلح وخاصة مع كتابيها جرح المعنى وأفق المعنى اللذين تعمقا في دراسة مكانة الشعر والنثر في المدونة العربية من خلال استحضار النص المقدس والتاريخي إلى حيز التجربة ورصد التحولات الفكرية والنصية الفنية والرؤى الحديثة في الأدب العربي المعاصر سواء منه الشعري أو النثري وأعلامه.