غداة إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات اقتصادية ومالية متعددة على روسيا بذريعة العملية العسكرية في أوكرانيا أعلنت موسكو جملة من الردود أبرزها التوجه نحو اعتماد الروبل في التعاملات التجارية والاستغناء عن الدولار ما يفتح الباب وفق رأي محللين لانتهاء قريب لحقبة دامت طويلاً طغت خلالها العملة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة سارعت ومنذ بداية العملية الروسية في أوكرانيا إلى فرض إجراءات ضد روسيا وفق مخططات مرسومة لإضعاف اقتصادها ودفعها للانهيار إلا أن الحكومة الروسية قابلتها بإجراءات مدروسة أدت إلى قلب الموازين.
خطوات متتالية قامت بها روسيا في سبيل مواجهة العقوبات الغربية أبرزها منح البنك المركزي الروسي السلطة لتحديد حجم المعاملات المالية المسموح بها لمصلحة غير المقيمين وفرض حظر على بيع عائدات العملات الأجنبية من التصدير للشركات في روسيا كما عمل على رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى عشرين بالمئة.
وزارتا الطاقة في روسيا وبيلاروس بادرتا بدورهما لبحث الانتقال إلى الروبل الروسي في الحسابات وقواعد تشغيل سوق الكهرباء الموحد واستكمال إعداد مشروع اتفاقية بين الدولتين بهذا الشأن.
وفي إطار الرد على الخطوات الغربية وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يسمح بسداد المدفوعات لبعض الدائنين الأجانب من الدول التي فرضت عقوبات على موسكو بالعملة الوطنية الروسية ما أثار امتعاض الخبراء الغربيين ووصفوا ذلك بالحالة “الوهمية”.
بوتين وقع أيضاً مرسوماً يقضي بأنه يمكن للبنوك الروسية المدرجة في قائمة العقوبات الغربية حتى الأول من أيلول المقبل الوفاء بالتزامات الودائع المقومة بالعملات الأجنبية بالروبل الروسي حسب سعر صرف السوق إضافة إلى فرض قيود على التعاملات المالية مع الشركات والأفراد الأجانب.
إجراءات الرئيس الروسي السابقة أتبعها اليوم بما يمكن وصفه بأنه “ضربة قاضية” عبر إعلانه تحويل مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى العملة الروسية الروبل مؤكداً أن بلاده ستواصل توفير هذه الإمدادات وفق العقود المبرمة سابقاً من حيث الكمية والسعر.
بوتين أشار إلى أن عدداً من الدول اتخذت في الأسابيع الأخيرة قرارات غير شرعية لتجميد أصول روسية وبهذا شطب الغرب بشكل جماعي كل الثقة في عملاته مشدداً على أنه لا معنى لتوريد السلع الروسية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتلقي المدفوعات باليورو والدولار.
الخطوة الأخيرة التي اتخذها بوتين تعد أقوى ضربة لنظام الدولار وهي ليست سوى بداية لنقل الصادرات الروسية إلى الروبل الروسي وساهمت بتسجيل ارتفاعات مفاجئة للروبل مقابل الدولار الأمريكي حيث تراجع سعر صرفه اليوم دون مستوى 95 روبلاً وذلك للمرة الأولى منذ الثالث من آذار الجاري.
وبالتزامن مع الإجراءات الروسية تحاول دول أخرى أبرزها الصين الاستغناء عن الدولار في تعاملاتها ليحتل اليوان الصيني مكانة مهمة.
ويرى خبراء أن السماح بدفع مدفوعات النفط باليوان الصيني قد يمهد الطريق أمام إنشاء نظام مواز للمدفوعات الدولية سيحتل فيه اليوان الصيني أهمية وقوة على غرار الدولار الأمريكي وسيصب ذلك في مصلحة محاولة روسيا تجاوز العقوبات التي فرضتها الدول بعد عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا حيث يمكنها من استخدام اليوان أيضاً.
وتبرز على المدى الطويل توقعات بظهور نظام عالمي مواز لتبادل العملات الأجنبية باستخدام اليوان الصيني كعملة بديلة وخاصة أن الهند تدرس استخدام اليوان في مشترياتها النفطية من روسيا للحيلولة دون الوقوع تحت طائلة العقوبات الغربية.
ويؤكد مراقبون أن استخدام اليوان في تسوية جزء من التعاملات التجارية يعد نجاحاً لجهود الصين لتشجيع الاستخدام الدولي لعملتها مشيرين إلى أن دولاً جديدة سوف تستغني عن الدولار الأمريكي حيث تحول بعضها إلى اليوان الصيني في تسويتها مع الصين وسوف يدخل هذا القرار أيضاً في تسوية تجارة النفط وكل المعاملات التجارية من حيث المبدأ كما أن المباحثات حول العقود المتوقع تسعيرها باليوان شهدت نمواً بشكل خاص خلال العام الحالي.
ومع زيادة مبيعات العديد من الدول باليوان فإن ذلك يؤكد تزايد اعتماد اقتصاد الدول على العملة الصينية حيث من المتوقع أن يؤثر الاعتماد على اليوان بشكل ملحوظ على مكانة الدولار في أسواق النفط العالمية حيث يعد توجه أكبر مصدري النفط الخام في العالم نحو آسيا مؤشراً يكشف وضوح زيادة استخدام اليوان في أنحاء العالم.
ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن الابتعاد عن سوق المبيعات النفطية الذي يحكمه الدولار من شأنه أن ينوع قاعدة أرباح البلاد وأنه ومن شأن التسعير باليوان أن ينقص من سيادة الدولار في النظام المالي العالمي.
حسابات جديدة دفعت العديد من الدول للتفكير جدياً بالتخلي عن التعامل بالدولار والتوجه إلى عملة جديدة تنعش اقتصاد بلادها ما ينذر قريباً بانتهاء عهد إمبراطورية الدولار وظهور عملات جديدة مكانه.