(الأغنية الانتقادية) السورية تحاول استعادة مكانتها

من أزقة دمشق القديمة ومفارقات المواقف التي مرت عليها جاء فن الكوميديا الغنائية في عشرينيات القرن الماضي ليرصد حركة الشارع بمذاق خاص متحدياً ظروف الحياة وقسوة الاحتلال آنذاك ويرسم الابتسامة عند المستمعين. وفي حديث لسانا يلفت الباحث والمؤرخ الموسيقي أحمد بوبس إلى أن الأغنية الانتقادية هي فرع من فروع الأغنية العربية تنتقد بعض المواقف والسلوكيات الاجتماعية الخاطئة برز من خلالها فنانون كبار مشيراً إلى تجربة رائد الغناء الانتقادي في سورية المنولوجيست الشعبي سلامة الأغواني الذي عرفه الجمهور في عام 1927 عندما قدم أغنية (اسمعوا يا أهلية). وشكل الأغواني وفقاً لبوبس هاجساً وقلقاً كبيراً للاستعمار الفرنسي آنذاك بمونولوجاته نظراً لما حملته من تحدي وشحن الناس ضده ومطالبته بالرحيل فكان أبرز مونولوج له (البيت بيتنا والأرض لأبونا.. وبأي عين جايين تنهبونا) وفي أحدها بدأ بالتعريف عن نفسه بـ (سادتي المحترمين أظن عرفوتني مين، أنا رئيس نقابة الطفرانين، وأمين سر الكادحين) في إشارة إلى الأزمات الاقتصادية التي كان يعاني منها الشعب السوري في تلك الفترة جراء الاحتلال الفرنسي. وأوضح بوبس أن الأغواني الذي كان في بداية تجربته يقلد الأغاني المصرية ضمن القوالب القديمة وآلات التخت الشرقي المؤلفة من أربعة عازفين تحول فيما بعد إلى (الطقطوقة) وهي الأغنية التي يرافقها لحن بإيقاع سريع يمتاز بالخفة والرشاقة ليألفها الجمهور أما الكلمات فهي بسيطة ترصد واقع الحال بسخرية عبر أداء غنائي تعبيري متقن بالصوت والحركة. ويجد الباحث بوبس أن الأغنية الانتقادية خطت خطوة مهمة جداً على يد الفنان رفيق سبيعي الذي كان أشد المتأثرين بمسيرة الأغواني ليصبح أيضاً من أبرز معالم الأغنية الناقدة في سورية فحولها من مونولوج إلى أغنية شعبية طقطوقة واستحق لقب فنان الشعب. ويشير بوبس إلى أن الفنان سبيعي من خلال شخصية أبو صياح ابن الحارة الشامية التي أداها التقط مفردات أعماله من حياة الناس وهمومهم منتقداً ظواهر تقليد الغرب والشعوذة وغيرها فأدى (محسوبك أبو صياح معدل ع التمام) و (ياولد لفلك شال) وكان ذا فضل بتوظيف الأغنية الناقدة في السينما السورية كأغنية (الأتوستوب) من فيلم (نساء للشتاء). وعرج الباحث الموسيقي إلى ظهور بعض الممثلين السوريين الذين كانت لهم تجارب في هذا المجال وهم دريد لحام وعبداللطيف فتحي الذي برع في مونولوج (رح يجننوني) وأحمد أيوب وأنور البابا وفهد كعيكاتي الذي قدم الأغنية الفلكلورية الضاحكة إضافة للفنان ياسر العظمة فكانت له بصمة حاضرة بإحياء الأغنية السورية الناقدة على وقع ألحان أغان قديمة من خلال حلقات مسلسله مرايا. (الأغنية الانتقادية) هي وجهة نظر أو رأي وربما فشة خلق هكذا يراها الفنان دريد لحام مشيراً إلى أن بداياته كانت مع الغناء فمازال ماثلاً في أذهاننا بمونولوجاته البديعة الضاحكة استذكر في حديثه لسانا سعيه عبر هذه الأغاني إلى دمج الكلمة الواقعية المؤلمة بموسيقى سلسلة توجه سهام النقد لسلبيات في المجتمع مثل احتكار التجار والبطالة والتبذير ونفقات الزواج المبالغ بها وعقوق الأبناء إضافة إلى أغاني خاطب فيها وجدان الناس مبنية على لحظات إنسانية مثل (يامو) و(فطوم فطومة) و(ياشوفير). وفي زمننا الحالي نتوقف عند تجربة المونولوجيست رياض مرعشلي بتقديم أغنية ناقدة من وحي التراث الغنائي الشعبي والفكاهي بنكهة أوركسترالية ضمن إطار موسيقي حديث وتوزيع موسيقي على غير العادة. ويؤكد مرعشلي أن فن المونولوج مازال يشغل مساحة واسعة في المشهد الفني السوري ويرى أن هناك فرقاً بين ما يقدم على وسائل التواصل الاجتماعي التي ينتقد أصحابها ظاهرة ما بلوحة درامية أو مقال أو أغنية لا تخلو أحياناً من التجريح والتنمر وبين الأغنية الناقدة بمفهومها الحقيقي كعمل فني بسيط وراق ومتكامل ومتقن ويمتلك كل العناصر الفنية وينتقد الظاهرة بأسلوب جميل. وفي حفله الأخير الذي احتضنته دار الأسد للثقافة والفنون أدى مرعشلي برفقة أوركسترا قصيد أغاني مر عليها زمن طويل ولكن كلماتها مازالت تحاكي يومنا هذا ما يعني أن الأغنية مستمرة باستمرار الظاهرة التي تنتقدها حيث يسعى مرعشلي من خلال مشاركاته إلى تطوير فن المونولوج وتقديمه للناس بطريقة مفهومة وجميلة وتعكس حضارة بلدنا

سانا