إذاعة دمشق في عيدها الماسي.. ستظل أم الإذاعات العربية

هنا الإذاعة السورية من دمشق.. إذاعة كل العرب” كان السوريون عند الساعة السابعة من صباح الثالث من شباط عام 1947 على موعد مع هذه العبارة التي باتت العنوان العريض لانطلاق أثير إذاعة دمشق بصوت المذيع يحيى الشهابي الشجي معلناً عبرها نقل الأثير السوري للجمهور.

واليوم تشعل إذاعة كل العرب شمعتها الخامسة والسبعين بعد انطلاقتها من بناء بسيط في شارع بغداد وسط العاصمة وبفريق فني صغير ومعدات بسيطة لتكون ثالث إذاعة تأسست في الوطن العربي وأولى الإذاعات في البث المباشر وتقديم موجزات الأخبار بدقيقة واحدة.

في سنوات إذاعة دمشق الأولى كان بثها يقتصر على ساعتين من الزمن يومياً ولكنها كانت كافية لاحتضان عدد من الفنانين والملحنين والموسيقيين الأكثر شهرة من السوريين والعرب ولم يقف طموح القائمين على الإذاعة عند هذا الحد فأصبحت بعد فترة تبث ثماني ساعات يومياً قدمت من خلالها مواد إعلامية باللغة العربية تحاكي تطلعات السوريين وحياتهم اليومية بقالب درامي ساهم بتقديمه عدد من الفنانين الرواد وكان الأساس الذي انتقلت منه الدراما إلى التلفزيون.

عام 1956 وسعت إذاعة دمشق الأم نطاق تغطيتها لتشمل كامل الأراضي السورية والأقطار العربية المجاورة وصار لها برامج بلغات اجنبية وزادت عدد ساعات بثها ليصبح إرسالها فيما بعد على مدار اليوم كاملاً في عام 2013.

تبنت إذاعة دمشق قضايا عربية لمناصرة الأشقاء في محنهم في إطار إيمانها بالقومية والوحدة وبرسالتها الخالدة ولا تزال صرخة المذيع عبد الهادي بكار “من دمشق.. هنا القاهرة” التي استهل بها النشرة الإخبارية حين توقف إرسال الإذاعة المصرية إبان العدوان الثلاثي على مصر تصدح في ذاكرة المواقف الإنسانية كذلك احتضنت في استديوهاتها بث إذاعة فلسطين من دمشق.

رئيس دائرة الدراما الإذاعية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون المخرج باسل يوسف أوضح أن إذاعة دمشق تعد من أول وأهم الإذاعات العربية ولها مكانة كبيرة في أذهان العرب والسوريين خصوصا وأنها تتمتع بمصداقية تجعلها مصدراً للأخبار السياسية والثقافية والمحلية وكانت محطة لانطلاق الكثير من النجوم وعبر أثيرها عرف المستمعون الدراما الإذاعية وهي الحامل الأهم لها حيث حظيت برامجها الدرامية بحضور عربي وظلت مدرسة ومثالاً يحتذى به للتدريب وتنمية المهارات اللغوية والفنية معبراً عن فخره كونه ينتمي لهذه المدرسة التي خرجت كبار الإعلاميين.

الإعلامي والشاعر جمال الجيش الذي عمل في هذه الإذاعة لسنوات طويلة قال في تصريح لـ سانا: هذا الصرح الإعلامي ظل كما عهدناه منذ أن صدح صوت الشهابي لأول مرة بـ “هنا دمشق” وحملت عبر العقود روحاً قوية عصية على التحديات الكبيرة التي واجهتها بثبات وانتصارات وميزها صدق الكلمة والموقف لافتاً إلى أنها كانت بيت أحلامه وجسر عبور روحه إلى العالم وصوت قلبه حيث أطلقت العنان بالكامل له بكامل الحرية في حالة حب لم يستطع الابتعاد عنها لأنها أثير الوطن الذي عشقه.

وكانت الإذاعة العربية الوحيدة التي انطلق وانشهر من خلالها العديد من المطربين والعرب هذا ما كشفه الناقد الموسيقي أحمد بوبس مبيناً أن إذاعة دمشق منذ انطلاقتها اكتشفت مطربين سوريين كبارا من كروان وسحر ومها الجابري وياسين محمود ومعن دندشي ونجيب السراج وقدمتهم عبر أثيرها إضافة إلى الفنان فهد بلان الذي بدأ مسيرته الفنية مردداً في كورسها وأصبح فيما بعد مطرباً كبيراً على مستوى الوطن العربي.

وتابع بوبس: من المطربين العرب الذين أطلقتهم إذاعة دمشق وبدؤوا من خلال أثيرها مسيرتهم الفنية الفنان الكبير وديع الصافي الذي قدم عبرها أغنيته “ع اللوما اللوما” عام 1950 إضافة إلى عبد الحليم حافظ الذي قدم أغنيته “صافيني مرة” ولا ننسى العمالقة فيروز والأخوين رحباني حيث كانوا يقصدونها كل أسبوع لتسجيل أعمالهم واسكتشاتهم الغنائية وغيرهم الكثير فكانت هذه الإذاعة محطة انطلاق وشهرة كبار الفنانين.

أكثر من أربعين عاماً قضاها الإعلامي محمود الجمعات في كنف إذاعة دمشق ولا يزال يعمل فيها فوصفها بالرافد للإذاعات المحلية والعربية بكوادرها في جميع الاختصاصات الإعلامية والفنية الذين كانوا يتبؤون مركز الصدارة في أي مكان وجدوا فيه معتبراً أنها ليست مجرد بناء يقع في ساحة الأمويين ولا برامج تعد وتذاع بل هي كائن حي انصهرت في روحها أرواح جميع من عمل وسيعمل بها ممن عشقوا استديوهاتها ومايكروفوناتها وأقسامها.

ويعرب الجمعات عن أمله بأن تبقى رائدة الفنون وتترأس الإعلام الملتزم الصادق الذي يراعي الضمير الإعلامي لتبقى هي في كل عام والعاملون فيها بألف خير.