عليك أن تبتعد عن العاصمة دمشق ٣٥٠كم لتصل إليها حيث تقع شمال سوريا يميل بعض العلماء إلى الاعتقاد بأن استيطان المنطقة التي تقوم عليها يعود إلى ٧٠٠٠سنة مضت
قدرها خطير وذكرها في كل مكان يطير وخطابها من الملوك كثير ومحلها في النفوس أثير هكذا قال عنها ابن جبير
إنها حلب ثاني اكبر مدن الجمهورية العربية السورية بعد دمشق التي تُعتبر من أقدم المدن المأهولة في التاريخ ورد ذكرها في رُقم مملكة ايبلا باسم أرمان كما ورد إسمها في رُقم ماري عام ١٧٥٠ق.م ويقال إن كلمة حلب تعني باللغة العمورية معادن الحديد والنحاس أما باللغة الارامية فاسم حلب محرّف من حلبا التي تعني البياض نسبة إلى بياض تربتها وحجارتها تعاقبت عليها حضارات كثيرة كالاكاديين والعموريين والحثيين والبابليين ودخلها الإسكندر المقدوني ثم حكمها السلوقيين فالرومان والساسانيون فتحها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد عام السادس عشر الهجري لتشكل جزءا من الدولة الأموية وبعدها العباسية وفي عام ٣٣٢هجرية غدت عاصمة الدولة الحمدانية تحت حكم سيف الدولة الحمداني وحكمها الايوبييون ثم احتلها المغول بقيادة هولاكو وفي عام ٦٥٨ للهجرة استعاد المماليك حلب بعد انتصارهم في موقعة عين جالوت واستمرت الحروب مع المغول ثم خضعت للعثمانيين واستمرت المدينة تحت حكم الإمبراطورية العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد العثمانيين ناضل سكان حلب كغيرهم من السوريين ضد الفرنسيين وفي عام ١٩٤٦ نالت سوريا استقلالها واصبحت حلب إحدى مدنها لتبدأ بنشر جمال تاريخ عريق يحكي قدمها وعراقة ماتختزن
كان يُدخل إلى مدينة حلب من عدة ابواب يعود أقدمها إلى القرن الثامن عشر الميلادي والباقي منها باب أنطاكية باب قنسرين باب المقام باب الحديد باب القصب وباب النصر وهذه الأبواب تقودك إلى مقصدك في حلب فستوصلك مثلاً إلى أسواقها القديمة التي تعود إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر وتعد من أجمل أسواق مدن الشرق العربي والإسلامي حيث تمتاز بسقوفها الاسطوانية وعقودها المقببة الضخمة وتتقاطع كلها في تجمع تجاري كبير يطلق عليه اسم المْدينة
ناهيك عن خاناتها التي كان يسكنها تجار وزوار حلب إذ بلغ عددها اكثر من ٧٦ خانا تاريخيا تبقى منها مايقرب ال ٣٧ خانا وأكثرها يقع في منطقة الأسواق
ومن أبرز الشواهد على خانات حلب “خان الشونة الذي بني عام ١٥٤٨م ولقد حُوِّل إلى سوق للصناعات اليدوية تضم معظم الحرف اليدوية التي تشتهر بها حلب و الصناعات التقليدية القديمة قدم التاريخ فقبل آلاف السنين اكتشف السوريون صناعة الزجاج والاصبغة والمنسوجات والمعادن والسجاد وقد نقل التجار الأوربيون معظم هذه الصناعات المتطورة انذاك إلى أوروبا، ومن المعالم الجميلة فيها حماماتها فقد بلغ عددها في اوج ازدهارها ١٧٧حمام لم يبقى منها سوى ١٨ حمام واشهرها حمام يلبغا الناصري الذي يعود شكله الحالي إلى القرن الرابع عشر الميلادي.
أما عن اهم المزارات الدينية فيها الجامع الأموي الكبير وهو من أكبر مساجد حلب بني في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك وتأنق في بنائه ليضاهي الجامع الأموي بدمشق الذي بناه اخوه الوليد بن عبد الملك ورحلتك فيها لن تتوقف هنا بل لابد من زيارة كنيسة الأربعين شهيدا التي بنيت عام ١٣٢٥ م
وأهم مقتنياتها أيقونة قديمة رسمت عام ١٧٠٨م تمثل الفصل الحادي والعشرين من سفر الرؤيا في الكتاب المقدّس كما توجد فيها لوحة تمثل قصة الأربعين شهيدا والتي تعود إلى بداية القرن الرابع الميلادي، أما مايخبرك عن الاسهامات الحضارية لسوريا في تاريخ الإنسانية على مر العصور تلك المعروضات الأثرية في متحفها الوطني ففي قسمه الأول قسم ماقبل التاريخ يضم مجموعة من اللقى الأثرية التي تعود إلى الألف التاسع وحتى الألف الخامس ق. م أما قسم الآثار السورية القديمة فيحتوي على لقى أثرية مكتشفة من عدة مناطق سورية تدلل على تعاقب الحضارات منذ آلاف السنين أما إذا تساءلت في جولتك عن معبد عين دارة فهو يبعد ٤٠ كم إلى الشمال الغربي من حلب ويقع على الضفة اليسرى من نهر عفرين وقد عثر فيه على معبد حثي ضخم لا مثيل له في منطقة الشرق العربي القديم حيث يعود إلى الألف الأول ق. م كذلك عُثر على نصب للربة عشتار
وخلال زيارتك ستمر بتلك الدور الحلبية التقليدية التي تبدو كصفحة ناصعة من فن العمارة في حلب ومكنوناتها البشرية التي تشتهر بحب الجمال والتراث ومن هنا أحب أهل حلب الموشحات والقدود ذلك النوع من الغناء الشعبي الذي سُجل مؤخرا على لائحة التراث الإنساني
بهذا التنقل في تاريخ حلب تخرج منها وانت تردد
ناجيت طيفك في الأحلام يا حلب
فهزني من هواك الزهو والطرب
وكل حاضرة في الشرق حاضرتي
ولكن أجمل دار زرتها حلب.
اعداد: مجد حيدر